تفسير سورة الكهف
وهي مكّيّة كلّها
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) : حمد نفسه وهو أهل للحمد. (الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ) : أي محمّد عليهالسلام (الْكِتابَ) : أي القرآن (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١) قَيِّماً) : فيها تقديم. يقول : أنزل على عبده الكتاب قيّما ولم يجعل له عوجا.
ذكروا أنّ مجاهدا قال : أنزله قيّما لا عوج فيه ولا اختلاف.
(لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً) : أي عذابا شديدا (مِنْ لَدُنْهُ) : أي من عنده ، من عند الله. (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً) (٢) : أي عند الله في الجنّة. وقال في آية أخرى : (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) [الأنعام : ١٣٢]. قوله : (ماكِثِينَ فِيهِ) : أي في ذلك الثواب ، وهو الجنّة. (أَبَداً) (٣).
(وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً (٤) ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) أنّ لله ولدا (وَلا لِآبائِهِمْ) قبلهم الذين كانوا في الشرك.
(كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) : هي على قراءة النصب عمل في باب كان (١). وكان الحسن يقرأها بالرفع (كبرت كلمة) ، أي : كبرت تلك الكلمة أن قالوا : إنّ لله ولدا.
__________________
(١) كذا في المخطوطات الأربع وفي سع ورقة ١٤ ظ. «عمل في باب كان». فإذا كانت هذه العبارة تعني أنّ قوله تعالى : (كلمة) جاءت منصوبة على أنّها خبر كان ، فلست أرى وجها لإعرابها كذلك. والصحيح أنّ الذين قرأوها بالنصب إنّما اعتبروها تمييزا لا غير. قال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ١٣٤ : «فمن نصب أضمر في (كبرت) : كبرت تلك الكلمة كلمة. ومن رفع لم يضمر شيئا ، كما تقول : عظم قولك ، وكبر كلامك». وقال الزمخشريّ في الكشّاف ، ج ٢ ص ٣٠٧ : «قرئ (كلمة) و (كلمة) بالنصب على التمييز ، وبالرفع على الفاعليّة ، والنصب أقوى وأبلغ ، وفيه معنى التعجّب ، كأنّه قيل : ما أكبرها كلمة!». ومعنى التعجّب هذا هو ما بيّنه الشيخ الطاهر ابن عاشور في التحرير والتنوير ، ج ١٥ ص ٢٥٢ فقال : «ودلّ على قصد التعجيب منها انتصاب (كلمة) على التمييز ، إذ لا يحتمل التمييز هنا معنى غير أنّه تمييز نسبة التعجيب ...».