قوله : (فَإِنِ انْتَهَوْا) : أي عن كفرهم (فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٣٩). قال الكلبيّ : فإن انتهوا عن القتال ، وهو واحد. (وَإِنْ تَوَلَّوْا) : أي وإن أبوا إلّا القتال (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ) : أي وليّكم (نِعْمَ الْمَوْلى) : أي نعم الوليّ (وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (٤٠) : أي لأوليائه.
قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ).
ذكر عبد الله بن الخير قال : بينما نحن جلوس بهذا المربد (١) إذ أقبل علينا أعرابيّ أشعر الرأس ، أو مشعار الرأس ، قال : قلنا : والله لكأنّ هذا ليس من أهل البلد. قال : أجل. قال : وإذا معه أديم أو قطعة من جراب ، قال : هذا كتاب كتبه لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فأخذنا الكتاب ، فقرأناه. فإذا فيه : بسم الله الرّحمن الرّحيم. هذا كتاب من محمّد النبيّ ، رسول الله ، لبني زهير بن أقيش (٢) : إنّكم إن شهدتم أن لا إله إلّا الله ، وأقمتم الصلاة ، وآتيتم الزكاة ،
__________________
ـ وءاتوا الزّكاة فخلّوا سبيلهم) ، وانظر فيما مضى من الجزء الأوّل ، تفسير الآية ١٥١ من سورة الأنعام (التعليق).
(١) المربد محلّة من محلات البصرة ، كانت سوقا للإبل ، وبه كانت مفاخرات الشعراء ومجالس الخطباء والأدباء. وكان بعض اللغويّين يقصدونه ليتلقّفوا الفصاحة من أفواه الأعراب عند ما بدأ اللحن يفشو على ألسنة العامّة في المدن.
(٢) في ج ود : «لبني زهيرة وقيس». وفي ق وع : «لبني زهير بن قيس» ، والصواب ما أثبتّه. وهم بنو زهير بن أقيش بن عبد بن كعب بن عوف بن الحارث ، وهم من عكل ، كما ذكره ابن حزم في جمهرة أنساب العرب ، ص ١٩٩. ومنهم النّمر ابن تولب بن زهير ، الشاعر الإسلاميّ الصحابيّ الذي وفد على النبي صلىاللهعليهوسلم مسلما ، ومدحه بقصيدة مطلعها :
إنّا أتيناك وقد طال السفر |
|
نقود خيلا ضمّرا فيها عسر |
وكان فصيحا شاعرا جوادا. انظر ترجمته في كتب الصحابة مثل : ابن عبد البر ، الاستيعاب ، ج ٣ ص ١٥٣١ ، وفي كتب الأدب مثل : الشعر والشعراء لابن قتيبة ، ج ١ ص ٣٠٩ ـ ٣١١. وقد أشار ابن دريد في كتابه الاشتقاق إلى كتاب النبيّ عليهالسلام هذا ؛ فقال في ص ١٨٣ : «وكتب النبيّ صلىاللهعليهوسلم كتابا لبني أقيش في ركية بالبادية ، فهو في أيديهم إلى اليوم». كما أشار إليه ابن عبد البرّ في الاستيعاب.