قال : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ) : التجارة الجالب ، والبيع الذي يبيع على يديه (١) ، قال : (عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ).
كانوا إذا سمعوا المؤذّن تركوا بيعهم وقاموا إلى الصلاة. وذكر الله في هذا الموضع الأذان.
(وَإِقامِ الصَّلاةِ) يعني الصلوات الخمس ، (وَإِيتاءِ الزَّكاةِ) الزكاة المفروضة (٢). وهذا الحرف يقرأ على وجهين : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها) أي : في المساجد (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ) ، والحرف الآخر : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) ، ثمّ قال : (رِجالٌ) ، أي : فهم الذين يسبّحون له فيها بالغدوّ والآصال (٣).
قوله : (يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) (٣٧) : أي قلوب الكفّار وأبصارهم. وتقلّب القلوب أنّ القلوب انتزعت من أماكنها فغصّت بها الحناجر ، فلا هي ترجع إلى أماكنها ولا هي تخرج. وهو قوله : (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ) [غافر : ١٨]. وأمّا تقلّب الأبصار فقد قال في آية أخرى : (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنبياء : ٩٧] أي : لإجابة الداعي. وهو كقوله : (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) [إبراهيم : ٤٣].
وقال الحسن في قوله : (تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) أي : بالزّرق (٤) بعد الكحل ، والعمى
__________________
(١) كذا في ب وع وفي سع ورقة ٥٤ و ، وفي ز ورقة ٢٣٤. وعبارة الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٢٥٣ أصحّ وأوضح : قال : «فالتجارة لأهل الجلب ، والبيع ما باعه الرجل على يديه».
(٢) أورد ابن سلّام بعد هذا أحاديث وأقوالا عن الصحابة في كراهيّة صلاة المرأة في المسجد ، ولم ترد في ب ولا في ع منها : «إبراهيم بن محمّد عن صفوان بن سليم أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأى امرأة في المسجد فقال : يا أيّها الناس كفّوا عليكم نساءكم فإنّما عذّبت بنو إسرائيل حين أرسلوا نساءهم إلى المساجد والأسواق ...». «... وعن ابن مسعود قال : ما صلّت امرأة في مكان خير من قعر بيتها إلّا أن يكون المسجد الحرام أو مسجد النبيّ ، إلّا أن تخرج في منقليها. قال حمّاد : المنقلان الخفّان».
والحقّ أنّه وردت أحاديث صحيحة تنهى المسلمين أن يمنعوا النساء من الذهاب إلى المسجد ، منها ما رواه ابن عمر مرفوعا : «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» ، وزاد أبو هريرة : «ولكن ليخرجن وهنّ تفلات».
(٣) كذا في ب وع وسع. وعبارة ابن خالويه في الحجّة ص ٢٣٨ أوضح. قال : «قوله تعالى : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها) يقرأ بفتح الباء وكسرها. فالحجّة لمن فتح : أنّه جعله فعلا لما لم يسمّ فاعله ورفع (الرجال) بالابتداء ، والخبر (لا تُلْهِيهِمْ). والحجّة لمن كسر : أنّه جعله فعلا للرجال فرفعهم به ، وجعل ما بعده وصفا لحالهم».
(٤) في ع : «بالرزق» وفيه تصحيف ، صوابه ما أثبتّه : «الزّرق». يقال زرقت عينه زرقا إذا تغشّى سوادها بياض ، ـ