تفسير سورة العنكبوت وهي مكّيّة كلّها إلّا عشر آيات
مدنيّة من أوّلها إلى قوله : (وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله : (الم) (١) : قد فسّرناه في أوّل سورة البقرة. (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا) : أي صدّقنا (وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (٢) : أي بالجهاد في سبيل الله ، وبالفرائض التي أمرهم الله بها وابتلاهم بها.
وهم قوم كانوا بمكة ممّن أسلم وأجاب النبيّ عليهالسلام إلى دينه ؛ كان قد وضع عنهم النبيّ عليهالسلام الجهاد ، والنبيّ بالمدينة بعدما افترض عليه الجهاد ، وقبل منهم أن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، ولا يجاهدوا. ثمّ افترض عليهم الجهاد ، وأمرهم به ، وأذن لهم فيه ، وذلك حين أخرجهم أهل مكّة فقال : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (٣٩) [الحج : ٣٩]. فلمّا أمروا بالجهاد كره قوم القتال فقال الله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ) أي : فلمّا فرض عليهم القتال (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ) أي : لم فرضت علينا القتال (لَوْ لا) أي : هلّا (أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) [النساء : ٧٧] ، وأنزل الله في هذه الآية في أوّل السورة : (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا) أي : صدّقنا فقط (وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) أي : وهم لا يبتلون بالجهاد في سبيل الله. قوله : (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : أي ولقد ابتلينا الذين من قبلهم ، أي : بعد تصديقهم وإقرارهم (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا) : أي أهل الوفاء والاستكمال لما ابتلاهم الله به من الأعمال (١) ، (وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) (٣) : أي أهل الخيانة والكذب فيما ابتلوا به من الأعمال وهم المنافقون. وهذا علم الفعال (٢).
__________________
(١) كذا في ب وع ، وجاء في سح ورقة ٦٥ ، وفي ز ورقة ٢٥٨ ما يلي : «(فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا) بما أظهروا من الإيمان (وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) الذين يظهرون الإيمان وقلوبهم على الكفر ، وهم المنافقون». وقال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ١١٢ : «(فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا) مجازه : فليميّزنّ الله ، لأنّ الله قد علم ذلك من قبل».
(٢) جاء في ز ورقة ٢٥٨ ما يلي : «قال محمّد : معنى علم الفعال العلم الذي تقوم به الحجّة ، وعليه يكون الجزاء ، ـ