ذلك الملك دعا قومه ، فأخبرهم بذلك ، وقال : إن كان هذا حقّا فسيأتيكم العذاب غدا ، فاجتمعوا حتّى ننظر في أمرنا ، فاجتمعوا.
فخرجوا من المدينة من الغد ؛ فنظروا فإذا بظلمة وريح شديدة قد أقبلت نحوهم ، فعلموا أنّه الحقّ. ففرّقوا بين الصبيان وبين أمّهاتهم ، وبين البهائم وبين أمّهاتها ، ولبسوا الشعر ، وجعلوا التراب والرماد على رؤوسهم تواضعا لله ، وتضرّعوا إليه وبكوا وآمنوا. فصرف الله عنهم العذاب. فاشترط بعضهم على بعض أن لا يكذب أحدهم كذبة إلّا قطعوا لسانه.
وذكر بعضهم أنّهم لّما رأوا الأمر غشيهم قامت فيهم الخطباء فقال الأوّل : اللهمّ إنّك أمرتنا ألّا نردّ سؤّالنا (١) ، ونحن اليوم سؤّالك فلا تردّنا. ثمّ قام الثاني فقال : اللهمّ إنّك أمرتنا أن نعتق رقابنا ، ونحن اليوم رقابك فأعتقنا. ثمّ قام الثالث فقال : اللهمّ إنّك أمرتنا أن نعفو عمّن ظلمنا ، وقد أخطأنا وظلمنا أنفسنا فاعف عنّا. فصرف الله عنهم.
فجاء يونس من الغد ، فنظر فإذا المدينة على حالها ، وإذا الناس داخلون وخارجون ؛ فقال : أمرني ربّي أن أخبر قومي أنّ العذاب يأتيهم فلم يأتهم ، فكيف ألقاهم؟ فانطلق حتّى أتى إلى ساحل البحر فإذا بسفينة في البحر ، فأشار إليهم فأتوا ، فحملوه وهم لا يعرفونه. فانطلق إلى ناحية من السفينة فتقنّع ورقد.
فما مضوا إلّا قليلا حتّى جاءتهم الريح وكادت السفينة تغرق ، فاجتمع أهل السفينة ودعوا الله. ثمّ قالوا : أيقظوا هذا الرجل يدعو الله معنا. ففعلوا ، فرفع الله عنهم تلك الريح. ثمّ انطلق إلى مكانه فرقد. فجاءت ريح كادت السفينة تغرق ، فأيقظوه ، فدعوا الله فارتفعت الريح.
فتفكّر العبد الصالح وقال : هذا من خطيئتي ، أو قال : هذا من ذنوبي أو كما قال ، فقال لأهل السفينة : شدّوني وثاقا وألقوني في البحر. فقالوا : ما كنّا لنفعل وحالك حالك ، ولكنّا نقترع فمن أصابته القرعة ألقيناه في البحر. [فاقترعوا فأصابته القرعة. فقال : قد أخبرتكم. فقالوا : ما كنّا لنفعل ، ولكن اقترعوا. فاقترعوا الثانية فأصابته القرعة ، ثمّ اقترعوا الثالثة فأصابته القرعة] (٢). وهو قول الله تعالى : (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) أي : من المقروعين. ويقال : من المسهومين ،
__________________
(١) جمع سائل على وزن رمّان ، وهو السائل الفقير.
(٢) زيادة لا بدّ منها ، وقد سقطت من ب وع ، فأثبتّها من سح.