أي : وقع السهم عليه.
فانطلق إلى صدر السفينة ليلقي نفسه في البحر فإذا هو بحوت فاتح فاه ، ثمّ جاء إلى ذنب السفينة فإذا بالحوت فاتحا فاه ، ثمّ جاء إلى جنب السفينة فإذا هو بالحوت فاتحا فاه ، ثمّ جاء إلى الجانب الآخر فإذا بالحوت فاغرا فاه. فلمّا رأى ذلك ألقى بنفسه ، فالتقمه الحوت. فأوحى الله إلى الحوت : أن لا تأكل عليه ولا تشرب عليه ، وقال : إنّي لم أجعله لك رزقا ، ولكن جعلت بطنك له سجنا ، فلا تقطع له شعرا ولا تكسر له عظما.
فمكث في بطن الحوت أربعين ليلة فنادى في الظلمات كما قال الله : (أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) قال الله : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ) ، والظلمات ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت. قال الله : (وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء : ٨٧ ـ ٨٨]. وأوحى الله إلى الحوت أن يلقيه إلى البحر. قال الله : (فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ) أي : وهو مريض مثل الصبيّ. فأصابته حرارة الشمس فأنبت الله عليه شجرة من يقطين ، وهي القرعة (١) ، فأظلّته ، فنام. فاستيقظ ، وقد يبست. فحزن عليها. فأوحى الله إليه : أحزنت على هذه الشجرة وأردت أن أهلك مائة ألف من خلقي أو يزيدون ، أي : بل يزيدون. وبلغنا أنّهم كانوا عشرين ومائة ألف. فعلم عند ذلك أنّه ابتلي.
فانطلق فإذا هو بذود غنم ، فقال للراعي : اسقني لبنا ، فقال : ما هاهنا شاة لها لبن. فأخذ شاة منها فمسح على ضرعها بيده ، فدرّت بإذن الله. فشرب من لبنها. فقال له الراعي : من أنت يا عبد الله ، لتخبرنّي. قال : أنا يونس. فانطلق الراعي إلى قومه فبشّرهم به. فأخذوه وجاءوا معه إلى موضع الغنم فلم يجدوا يونس. فقالوا : إنّا قد اشترطنا لربّنا ألّا يكذب أحد منّا إلّا قطعنا لسانه. فتكلّمت الشاة بإذن الله وقالت : قد شرب من لبني. وقالت شجرة كان قد استظلّ بظلّها : قد استظلّ بظلّي. فطلبوه فأصابوه. فرجع إليهم. فكان فيهم حتّى قبضه الله. وكانوا بمدينة يقال لها نينوى من أرض الموصل ، وهي على دجلة.
ذكروا عن ابن عبّاس أنّه قال : في دجلة ركب السفينة ، وفيها التقمه الحوت ، ثمّ أفضى به إلى
__________________
(١) وقال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ١٧٥ : «كلّ شجرة لا تقوم على ساق فهي يقطين ، نحو الدبّاء والحنظل والبطّيخ».