ألقيناه في البحر. فاقترعوا فأصابته القرعة. فقال : قد أخبرتكم ، فقالوا : ما كنّا لنفعل. ولكن اقترعوا الثانية ، فاقترعوا فأصابته القرعة ؛ وهو قول الله عزوجل : (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) (١٤١) [الصافات : ١٤١] أي : من المقروعين ، ويقال : من المسهومين. فانطلق إلى صدر السفينة ليلقي نفسه في البحر ، فإذا هو بحوت فاتح فاه. ثمّ انطلق إلى ذنب السفينة ، فإذا هو بحوت فاتح فاه ، ثمّ جاء إلى جانب السفينة فإذا هو بحوت فاتح فاه (١). فلمّا رأى ذلك صلىاللهعليهوسلم ألقى نفسه في البحر ، فالتقمه الحوت. فأوحى الله تبارك وتعالى إلى الحوت إنّي لم أجعله لك رزقا ، ولكن جعلت بطنك له سجنا ؛ فلا تكسرن له عظما ، ولا تقطعنّ له شعرا. فمكث في بطن الحوت أربعين ليلة (فَنادى فِي الظُّلُماتِ) كما قال الله : (أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ). قال الله : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) فأوحى الله إلى الحوت أن يلقيه إلى البرّ. قال الله : (فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ) (١٤٥) [الصافّات : ١٤٥] أي : وهو ضعيف مثل الصبيّ الرضيع. فأصابته حرارة الشمس ، فأنبت الله عليه شجرة من يقطين ، وهي القرعة ، فأظلّته فنام ، فاستيقظ وقد يبست. فحزن عليها ، فأوحى الله إليه : أحزنت على هذه الشجرة وأردت أن تهلك مائة ألف أو يزيدون من خلقي؟ فعلم عند ذلك أنّه ابتلي. فانطلق فإذا هو بذود من غنم (٢) ، فقال للراعي : اسقني لبنا. فقال : ما ههنا شاة لها لبن. فأخذ شاة منها فمسح بيده على ظهرها (٣) ، فدرّت ، فشرب من لبنها. فقال له الراعي : من أنت يا عبد الله؟ ، لتخبرنّي. فقال : أنا يونس ، فانطلق الراعي إلى قومه ، فبشّرهم به ، فأخذوه وجاءوا معه إلى موضع الغنم ، فلم يجدوا يونس. فقالوا : إنّا شرطنا لربّنا ألّا يكذب منّا أحد إلّا قطعنا لسانه. فتكلّمت الشاة بإذن الله فقالت : قد شرب من لبني ، فقالت الشجرة التي استظلّ بها : قد استظلّ بي. فطلبوه فأصابوه ، فرجع إليهم ، فكان فيهم حتّى قبضه الله ، وهي مدينة يقال : لها نينوى (٤) من أرض الموصل ، وهي على دجلة.
__________________
(١) كذا في ب وع. وفي سع : «بالحوت فاتح فاه» ، والصواب : «بالحوت فاتحا فاه» ، وهو أصحّ وأدقّ تعبيرا حتّى يفيد أنّ ذلك الحوت نفسه هو الذي كان يتنقّل من صدر السفينة إلى مؤخّرها ثمّ إلى جانبها.
(٢) الذود : ما بين الثلاث إلى العشر.
(٣) كذا في المخطوطات : على ظهرها ، ولعلّ صوابها «على ضرعها» وهذا أنسب ، كما فعل نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوسلم بشاة أمّ معبد الخزاعيّة في قصّته معها وهو صلىاللهعليهوسلم في طريق هجرته إلى المدينة.
(٤) انظر : ياقوت ، معجم البلدان ، ج ٥ ص ٣٣٩.