أصحابه بمكّة قالوا : يا نبيّ الله ، حتّى متى نلقى هذا البلاء ، متى نخرج إلى الأرض التي رأيت. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما أدري ما يفعل بي ولا بكم ، أنموت بمكّة أم نخرج منها (١).
قال : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٩). قال بعضهم : أنزل الله بعد ذلك : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢) وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً) (٣) [الفتح : ١ ـ ٣].
ذكروا عن أنس بن مالك قال : إنّ هذه الآية نزلت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم [عند] مرجعه من الحديبيّة وأصحابه مخالطون الحزن والكآبة ، قد حيل بينهم وبين مناسكهم ، ونحروا الهدي بالحديبيّة ، فقال : لقد نزلت عليّ آية لهي أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها جميعا (٢). فتلاها عليهم ، فقال رجل من القوم : هنيئا لك يا رسول الله ، قد بيّن الله لك ما يفعل بك ، فما يفعل بنا؟
فأنزل الله : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً) (٥) [الفتح : ٥].
قوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) : يعني القرآن ، (وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ) : أي على مثل القرآن يعني التوراة ، (فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ).
ذكر بعضهم فقال : الشاهد من بني إسرائيل هو موسى ، شهد على التوراة ، فآمن واستكبرتم.
وقال بعضهم : هو من بني إسرائيل ، آمن بموسى وبالتوراة وأنتم لا تؤمنون بمحمّد
__________________
(١) ذكر الواحديّ في أسباب النزول ، ص ٤٠١ هذا الخبر عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس بدون سند ، وفيه : «أنّه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء ...». انظر اختلاف المفسّرين في تأويل الآية وترجيح الطبريّ وآخرين لما ذهب إليه الحسن ، انظر ذلك في تفسير الطبريّ ، ج ٢٦ ص ٥ ـ ٨ ، وفي تفسير القرطبيّ ، ج ١٦ ص ١٨٦ ـ ١٨٧.
(٢) حديث متّفق على صحّته ، أخرجه البخاريّ في المغازي ، باب غزوة الحديبيّة ، عن زيد بن أسلم عن أبيه يرويه عن عمر بن الخطّاب. وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير ، باب صلح الحديبيّة في الحديبيّة ، من حديث أنس. رقم (١٧٨٦). لفظه عند البخاريّ : «لقد أنزلت عليّ الليلة سورة لهي أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس». ثمّ قرأ (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً).