سَنَةً) : أي في السنّ (قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) : أي ألهمني (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (١٥).
قال الحسن : هذا دعاء المؤمن لوالديه إن كانا مؤمنين ، ودعاؤهما لذرّيتّهما المؤمنين. وقال الكلبيّ : بلغنا أنّها نزلت في أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه ، وهي بعد مرسلة في المؤمنين.
قال : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ) : أي مع أصحاب الجنّة (وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) (١٦) : أي في الدنيا ، وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنّات تجري من تحتها الأنهار.
قوله عزوجل : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ) : أي أن أبعث (وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) : أي فلم يبعثوا. قال : (وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ) : أي يقولان له : ويلك آمن (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) : أي القيامة ، (فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (١٧) : أي كذب الأوّلين وباطلهم.
نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل أن يسلم ، وفي أبويه أبي بكر وامرأته أمّ رومان ، وهي أمّ عائشة ، كانا يقولان له قبل أن يسلم هذا القول ، فيقول هو هذا القول الذي أجابهما به (١).
قال الله عزوجل جوابا لقول عبد الرحمن في القرون التي قد خلت فلم يبعثوا : (أُولئِكَ
__________________
ـ هذا التعليل الذكيّ وهذا الترجيح البديع الذي كتبه الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ٥٢ ؛ قال : «... إنّ الأشدّ هاهنا هو الأربعون. وسمعت بعض المشيخة يذكر بإسناد له في الأشدّ : ثلاث وثلاثون سنة ، وفي الاستواء : أربعون. أو سمعت أنّ الأشدّ في غير هذا الموضع : ثماني عشرة. والأوّل أشبه بالصواب ، لأنّ الأربعين أقرب في النسق إلى ثلاث وثلاثين منها إلى ثماني عشرة. ألا ترى أنّك تقول : أخذت عامّة المال أو كلّه ، فيكون أحسن من أن تقول : أخذت أقلّ المال أو كلّه. ومثله قوله : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) [المزّمّل : ٢٠] ، فبعض ذا قريب من بعض ، فهذا سبيل كلام العرب. والثاني يعني ثماني عشرة ، لو ضمّ إلى الأربعين كان وجها». وقد نقل الطبريّ في تفسيره ، ج ٢٦ ص ١٦ ما ذهب إليه الفرّاء ولم يذكره. وانظر اللسان : (شدد).
(١) انظر اختلاف المفسّرين فيمن نزلت فيهم الآية في تفسير القرطبيّ ، ج ١٦ ص ١٩٧.