ماء أغزر ما يكون من الأنهار التي سمّى الله. ذكروا أنّ أربعة أنهار من الجنّة : سيحون (١) وجيحون (٢) والنيل والفرات. ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذكر في حديث ليلة أسري به قال : ثمّ رفعت لنا سدرة المنتهى ، فإذا ورقها مثل آذان الفيلة ، ونبقها مثل قلال هجر. وإذا أربعة أنهار يخرجون من أصلها : نهران باطنان ، ونهران ظاهران. قلت : يا جبريل : ما هذه الأنهار؟ قال : أمّا الباطنان فنهران في الجنّة ، وأمّا الظاهران فالنيل والفرات.
قوله : (وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) : تفسير الحسن : ما يعرفونها في الدنيا وما لا يعرفون. وتفسير بعضهم في قوله : (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ) [البقرة : ٢٥] أي : في الدنيا ، يعرفونه باسمه.
قال بعضهم : أهبط الله من الجنّة إلى الأرض ثلاثين ثمرة ؛ عشرة يؤكل داخلها ولا يؤكل خارجها ، وعشرة يؤكل خارجها ولا يؤكل داخلها ، وعشرة يؤكل داخلها وخارجها.
قال : (وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) (١٥) : وهذا على الاستفهام. يقول : أهؤلاء المتّقون الذين وعدوا الجنّة فيها ما وصف الله ، كمن هو خالد في النار كما وصف الله ، أي : ليسوا سواء.
قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) : يعني المنافقين (حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً) : كانوا يأتون النبي صلىاللهعليهوسلم يستمعون حديثه من غير حسبة (٣) ولا يفقهون حديثه ، فإذا خرجوا من عنده قالوا للذين أوتوا العلم ، قالوا لعبد الله [بن مسعود] (٤) : ماذا قال محمّد آنفا ، لم يفقهوا ما قال النبيّ عليهالسلام. قال الله للنبيّعليهالسلام :
__________________
(١) سيحون : نهر كبير يوجد فيما وراء النهر بعد سمرقند ، وهو يجمد في الشتاء.
(٢) جيحون ، واسمه الحالي : أموداريا ، من الأنهار الكبرى في آسيا. يأخذ منابعه من نواحي بامير الهند ، ثمّ يجتاز آسيا حتّى ينصبّ في بحيرة خوارزم (بحيرة آرال حاليا). وطول النهر حوالي ألفين وستّمائة كيلومتر. وقد وصفه ياقوت الحمويّ في معجمه ، ج ٢ ص ١٩٦ ، وصفا بديعا ، وخاصّة عند سورة البرد وتجمّد النهر.
(٣) في ق وع : «من غير خشية» ، وأثبتّ ما جاء في ز ، ورقة ٣٢٧ فهو أصحّ : «حسبة» أي : من غير أن يحتسبوا ثواب استماعهم عند الله.
(٤) زيادة من ز ، وجاء في بعض التفاسير أنّه عبد الله بن عبّاس. وقد روى الطبريّ في تفسيره ، ج ٢٦ ص ٥١ خبرا جاء فيه ما يلي : «قال ابن عبّاس : أنا منهم ، وقد سئلت فيمن سئل». وأرى أنّ الآية عامّة تشمل كلّ ـ