قال : (فَإِنْ فاءَتْ) : أي فإن رجعت إلى الذي تركت من حكم الله الذي أقرّت به وادّعته (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ) : أي بالحقّ (وَأَقْسِطُوا) : أي واعدلوا في حكمكم ، أي فيمن تحكمون عليه (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ) : أي يثيب (الْمُقْسِطِينَ) (٩) : أي العادلين.
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ) : أي يخوّفهم نقمته ، أي : في العدل في حكمه وفيمن يحكمون عليه (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (١٠) : أي : لكي ترحموا إذا اتقيتم الله وعدلتم في الحكومة بين خلقه. فردّ المنافق في الحكومة إلى حكم كتابه الذي أقرّ به ، وسمّاه أخاه المسلم (١) لما أقرّ به من الإسلام والإيمان الذي آخى الله بين أهله به ، وليس بأخيه في الولاية عند الله ولا في المحبّة (٢). وتفسير مجاهد : إنّ الطائفتين الأوس والخزرج اقتتلوا بالعصيّ.
ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ضرب مثل المؤمنين كالجسد إذا شكا بعضه تداعى سائره.
ذكروا عن مجاهد عن كعب القرظيّ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنّما المؤمن من أخيه مثل اليدين لا غنى بإحداهما عن الأخرى (٣). وقال الكلبيّ : بلغنا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أقبل على حمار حتّى وقف على مجلس من مجالس الأنصار ، فكره بعض القوم موقفه ، وهو عبد الله بن أبيّ بن سلول ، فقال له : خلّ لنا سبيل الريح من نتن هذا الحمار ، وأمسك بأنفه. ومضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وغضب له بعض القوم ، وهو عبد الله بن رواحة. فقال : ألرسول الله قلت هذا القول؟ فو الله لحماره أطيب منك ريحا. فاستبّا ، ثمّ اقتتلا ، واقتتلت عشائرهما. فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأقبل يصلح بينهما ؛ فكأنّهم كرهوا ذلك ، فأنزل الله : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ..). إلى آخر الآية.
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) : أي : لا يستهزئ قوم بقوم ، أي : رجال برجال (عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) : أي إخوانكم ، أي لا يلمز بعضكم بعضا ، أي : لا يستقبل الرجل أخاه بوجه ، فيعمد (٤) له بوجه. وقال مجاهد : أي : لا يطاعنوا ، أي : لا يطعن بعضكم بعضا.
__________________
(١) كذا في ق وع : «أخاه المسلم» ، والصواب أن يكون : «أخاه المؤمن» ، كما سمّاهم في الآية.
(٢) هذه الجملة الأخيرة من زيادة الشيخ هود الهوّاريّ.
(٣) لم أجده فيما بين يديّ من مصادر الحديث. ولم يورده ابن الحنبليّ في كتابه أقيسة النبيّ المصطفى صلىاللهعليهوسلم.
(٤) كذا في ق : «فيعمد» ، وفي ع : «فيعتل» ، وأنا غير مطمئنّ للكلمتين معا ، وإن كان المعنى العامّ واضحا يفسّره ـ