أي من ذرّيّتهما (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ) : أي من ذرّيّتهما (فاسِقُونَ) (٢٦) : أي مشركون ومنافقون.
قال تعالى : (ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا) : أي جعلنا الرسل تبعا يقفو بعضها بعضا ، أي : بعضها على أثر بعض كالذي يقفو صاحبه (وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) : من بعدهم (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً) : أي يرأف بعضهم ببعض ، ويرحم بعضهم بعضا ، كقوله عزوجل : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح : ٢٩]. ثمّ استأنف الكلام فقال : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ) : أي ما فرضناها عليهم ، أي : إنّما ابتدعوها (إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ) : ليتقرّبوا بها إلى الله. قال الحسن : ففرضها الله عليهم حين ابتدعوها. قال : (اللهِ فَما رَعَوْها) : يعني الرهبانيّة (حَقَّ رِعايَتِها) : ولا ما فرضنا عليهم ، أي : ما أدّوا ذلك إلى الله. (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ). قال : (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) (٢٧) : أي مشركون ومنافقون. وهو فسق دون فسق ، وفسق فوق فسق.
ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : لكلّ أمّة رهبانيّة ورهبانيّة أمّتي الجهاد (١).
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) : أي أجرين (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) : أي ويجعل لكم إيمانا [تهتدون به] (٢) كقوله عزوجل : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) [الأنعام : ١٢٢](وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢٨) : أي لمن تاب.
قوله : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) : أي ليعلم أهل الكتاب. وهذه كلمة عربيّة (لئلا يعلم) و (ليعلم) بمعنى واحد. وهو كقول الرجل : أجل ، وأجل لا ، ويقول الله : (فَلا أُقْسِمُ) وأقسم ، وهذا قسم ، وهو واحد. (أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ) : أي إنّهم لا يقدرون على شيء. (مِنْ فَضْلِ اللهِ).
قال تعالى : (وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) : ذكروا عن نافع عن [ابن عمر
__________________
(١) أخرجه أحمد من حديث إياس بن مالك عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وأخرجه الحكيم الترمذيّ في نوادر الأصول ، وأبو يعلى والبيهقيّ في الشعب ، عن أنس ، كما في الدرّ المنثور ، ج ٦ ص ١٧٨.
(٢) زيادة من ز ، ورقة ٣٥٤.