ذكروا عن عمّار بن ياسر قال : ادفنوني في ثيابي فإنّي مخاصم غدا.
ذكروا عن عمرو بن العاص أنّه قال : كفّنوني في ثياب خلق فإنّي مخاصم غدا ، ثمّ قال : اللهمّ لا بريئا فأعتذر ، ولا قويّا فأنتصر ، غير أنّك (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٨٧) [الأنبياء : ٨٧].
ذكروا عن أبي رجاء العطارديّ وعقبة بن صهبان قالا : سمعنا الزبير بن العوّام يقول : لقد تأوّلت هذه الآية زمانا وما أحدّث نفسي أن أكون من أهلها ، فإذا نحن المعنيّون بها : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال : ٢٥]. وفي تفسير الحسن : (عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) : يتخاصم النبيّ والمؤمنون والمشركون (١).
قوله : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ) : أي افترى على الله كذبا وعبد الأوثان وزعم أنّ عبادتها تقرّب إلى الله. (وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ) : يعني القرآن الذي جاء به محمّد صلىاللهعليهوسلم ، أي : لا أحد أظلم منه (٢). (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ) (٣٢) : أي يثوون فيها أبدا. والمثوى : المنزل. وهذا على الاستفهام ، أي : بلى ، فيها مثوى للكافرين.
قوله : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ) : أي محمّد جاء بالقرآن (وَصَدَّقَ بِهِ) : يعني المؤمنين ، صدّقوا بما جاء به محمّد (٣). (أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (٣٣).
__________________
(١) كذا في ع ، وفي ز : «يخاصم النبيّ والمؤمنون المشركين».
(٢) في ع : «لا أحد أكذب منه» ، وأثبتّ ما جاء في ز ورقة ٢٩٩ ، فهو أصحّ وأنسب : «لا أحد أظلم منه».
(٣) هذا وجه من وجوه التأويل. وقيل : إنّ الذي صدّق به هو الرسول محمّد صلىاللهعليهوسلم نفسه. وقيل : إنّه أبو بكر. وهو قول نسب إلى عليّ كرّم الله وجهه. فقد قال في خطبته التي رثى بها أبا بكر ما يلي : «صدّقت رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين كذّبه الناس ، فسمّاك في تنزيله صدّيقا ؛ فقال : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ). انظر خطبته هذه التي أوردها الباقلّانيّ أبو بكر محمّد بن الطيب في كتابه : إعجاز القرآن ، ص ٢١٨ ـ ٢٢١ ، وهي من فصيح كلام العرب وبليغه. وقد جمع الطبريّ كعادته بين الأقوال كلّها فأحسن حين قال في تفسيره ، ج ٢٤ ص ٤ : «والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنّ الله تعالى ذكره عنى بقوله : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) كلّ من دعا إلى توحيد الله وتصديق رسوله ، والعمل بما ابتعث به رسوله صلىاللهعليهوسلم من بين رسول الله وأتباعه والمؤمنين به ، وأن يقال : الصدق هو القرآن وشهادة أن لا إله إلّا الله ، والمصدّق به المؤمنون بالقرآن من جميع خلق الله كائنا من كان من نبيّ الله وأتباعه».