(قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) : أي لا يشفع أحد يوم القيامة إلّا بإذنه ، أي : يأذن لمن يشاء من الملائكة والأنبياء والمؤمنين أن يشفعوا للمؤمنين فيشفّعهم فيهم (١) ، لا لمعنى قد وجب ، فتعالى الله.
قوله : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٤٤) : أي يوم القيامة ، أي : لا يملك في السماوات والأرض غيره ، ثمّ ترجعون إليه في الآخرة.
قوله : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ) : أي انقبضت (قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) : وهم المشركون (وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) : يعني أوثانهم (إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (٤٥) ، حين قرأ عليهم بمكّة سورة والنجم ، وألقى الشيطان على لسانه حيث انتهى إلى قوله : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) (٢٠) [النجم : ١٩ ـ ٢٠] : لهنّ الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهم لترتجى ، ففرح المشركون بذلك ؛ وهو قوله : (وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون) (٢).
قوله : (قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي السرّ والعلانية (أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ) يعني المؤمنين والمشركين (فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (٤٦) : فيكون حكمه فيهم أن يدخل المؤمنين الجنّة ويدخل المشركين النار (٣).
__________________
(١) في ع : «فيشفّعهم بينهم» وأثبتّ ما جاء في ز ، وهو أصحّ.
(٢) انظر فيما سلف ، ج ٣ ، تفسير الآيتين ٥٢ ـ ٥٣ من سورة الحجّ (التعليق).
(٣) هذا ، وإن كان سياق الآيات يشير إلى الاختلاف الذي كان قائما بين المؤمنين والمشركين ، كما ذهب إليه جمهور المفسّرين ، إلّا أنّ الآية تتناول أيضا كلّ اختلاف وقع أو يقع بين المؤمنين أنفسهم في كلّ زمان ومكان ، فكلّهم عباد الله. وقد اشتدّ في عصرنا هذا اختلاف المسلمين فيما بينهم ، واستفحل أمره ، فجرّ عليهم بلايا وفتنا فرّقت وحدتهم ، ومزّقت صفوفهم ، وأشعلت نيران الحروب بينهم ، فصارت الأمّة الإسلاميّة غرضا لكلّ رام ، وطعمة سائغة لكلّ معتد غاصب. ولو أنّ المسلمين اتّقوا الله وأصلحوا ذات بينهم ، ونبذوا الخلاف الذي احتدّ بينهم ، فحكّموا كتاب الله وسنّة نبيّه عليهالسلام فيما شجر بينهم ، لكانوا سادة الدنيا ، ولأفادوا العالم بالنور المبين الذي أنزل عليهم ، ولعاشوا في أوطانهم آمنين. فاللهمّ اهدنا لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك ، فإنّك أنت الهادي ، وإنّ هداك هو الهدى ، وإنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.