الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
أجل ، هذا هو طلب إبراهيم عليهالسلام من الله تعالى للُامّة الإسلامية واتّباع محمّد صلىاللهعليهوآله ، حيث أبان الهدف من بعثة هذا النبي العظيم (وسائر الأنبياء) بكلّ وضوح.
إنّ التأمّل في هاتين الآيتين يكشف عن نكات جديرة بالاعتبار :
أوّلاً : العبارة الواردة في الآية الاولى دليل على معرفة الله تعالى من جهة ، وعلى النبوّة الخاصّة لنبي الإسلام صلىاللهعليهوآله من جهة اخرى ، حيث تؤكّد الآية أنّ الله تعالى هو الذي بعث نبيّاً بهذه الخصوصيات وهذا لا يتمّ إلّاعن طريق القدرة الإلهيّة فقط : (هُوَ الَّذِى بَعَثَ ...). وكذلك تقول : إنّ النبي هو ذلك الشخص الذي ظهر من بين جماعة اميّين ، لكنّه على الرغم من ذلك فقد أصبح معلّماً للمئات والآلاف ، وأفاض على أتباعه العلم والحكمة حتّى ظهر من بينهم بعد فترة قصيرة أكابر العلماء الذين قاموا بتأسيس حضارة عظيمة مشرقة.
ثانياً : دار الحديث في كلتا الآيتين عن أربعة مواضيع وهي «تلاوة آيات الله تعالى» و «تعليم الكتاب» و «تعليم الحكمة» وأخيراً «التزكية والتطهير والتربية».
إنّ الحالة الطبيعية لهذه المواضيع الأربعة ، هي كما اشير إليها ، بأنّه يجب ابتداءً أن يتعرف ويستأنس سمع الإنسان بكلمات الحقّ تعالى ليدرك بعد ذلك مضمون الكتاب من أعماق هذه الكلمات ، ثمّ يتعرّف بعد ذلك على الحكمة أي الأسرار الكامنة فيها ، وأخيراً يُطهر وينقي الروح والجسم.
هذا الترتيب الطبيعي يُلاحظ في الآية المرتبطة بدعاء إبراهيم عليهالسلام : لكن «التزكية» قد تقدّمت على «تعليم الكتاب والحكمة» كما جاء في قوله تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِى ضَلَالٍ مُبِينٍ). (الجمعة / ٢) (آل عمران / ١٦٤)
وذلك لكي تتبيّن هذه الحقيقة التي ترى أنّ الهدف الرئيس من كلّ هذه المقدّمات في تلك الآيات هو الطهارة والتقوى وتربية الإنسان ونمو المثل والقيم الأخلاقية والإنسانية.
ثالثاً : نظراً لتقدّم «التزكية» على «التعليم» في آيتين من القرآن الكريم وتأخّرها عنه في