طلب من الله تعالى أن ينظر إليه ببصره وسمع الجواب : إنّك لن تراني أبداً!
(وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِى) وفي هذه الأثناء جاءه الأمر بالنظر إلى الجبل : (انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِى فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ). (الأعراف / ١٤٣)
من هنا يقال :
أوّلاً : لماذا طلب موسى مثل هذا الطلب من الله تعالى مع كونه يتمتع بمنزلة رفيعة في المعرفة والإيمان؟
ثانياً : لابدّ وأن صدرت منه مخالفة ليبتلى بالصعقة ويغمى عليه؟
ثالثاً : جملة «تُبت إليك» تظهر أنّه تاب من عمل سيء قام به.
وللمفسّرين هنا أجوبة متنوّعة أيضاً ، أجلاها هي : إنّ آيات القرآن تبيّن بكلّ وضوح أنّ ذلك الطلب لم يصدر من موسى عليهالسلام ، بل من بني إسرائيل الذين ألحّوا عليه ليُريهم الله تعالى : (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ). (البقرة / ٥٥)
بل الآيات الاخرى أيضاً تبيّن أنّ موسى كان مأموراً بأخذ جمع من أشراف بني إسرائيل معه إلى جبل الطور لتكرار طلبهم هناكـ «حتّى يقفوا على الجواب بشكل عملي» ، ويشير الى ما تقدّم ما أطلق على هذه الحادثة ، اسم «ميقاتنا» في الآية الآنفة الذكر وكذلك في الآية (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّاىَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِىَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِى مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ). (الأعراف / ١٥٥)
وبناءً على هذا فما قاله موسى عليهالسلام كان بأمر وتكليف من الله تعالى ، كما أنّه ليس لنزول الصاعقة أيّة صفة جزائية ، بل كان الهدف إيقاف عامّة بني إسرائيل على هذه الحقيقة ، وليبين لهم بأنهم عاجزون عن رؤية شرارة صغيرة من قدرته تعالى بحيث تسقطون على الأرض