من المسلّم أنّ آدم لم ينس العهد الإلهي فيما يتعلّق بالإجتناب عن الأكل من الشجرة الممنوعة ، لكن نظراً لعدم اهتمامه بذلك العهد فقد عبّر عنه بالنسيان.
وقال البعض أيضاً : إنّ «الناسي» هو في الحقيقة صاحب موسى عليهالسلام وليس موسى عليهالسلام ، والناسي لم يكن نبيّاً ، إذ لم يثبت ذلك فيما لو اقتصرنا على الآيات القرآنية على أقلّ تقدير ، فنحن نقرأ في الآيات مورد البحث أنّ صاحب موسى عليهالسلام قد شاهد سقوط الحوت في الماء واستعادتها للحياة والحركة ، وقرّر إخبار موسى عليهالسلام بذلك لكنّه نسي ، إذن فالناسي هو صاحب موسى لا غيره باعتباره الشاهد الوحيد لهذه الحادثة ، والنسبة إليهما في جملة «نسيا» هي من قبيل نسبة عمل الفرد إلى الجماعة وهي شائعة الإستعمال.
ولو قيل : كيف يعقل إيداع مسألة بكلّ هذه الأهميّة في زاوية النسيان؟ لقلنا : إنّ صاحب موسى عليهالسلام كان قد شاهد معجزات أهمّ من هذه ، فضلاً عن كونهما في هذا السفر يطلبان هدفاً أهمّ ، فنسيان الحوت بسبب هذا الهدف لا يدعو للعجب.
ونسبة النسيان إلى الشيطان ، قد تكون لوجود علاقة بين حادثة إحياء السمكة ومسألة العثور على ذلك الرجل العالم ، الذي كان من المقرّر أن يستفيد موسى عليهالسلام من علمه ، وحيث إنّ عمل الشيطان هو الإغواء والحؤول دون بلوغ بني الإنسان أهدافهم المقدّسة ، أو تأخيرهم عنها على أقلّ تقدير ، فقد قذف النسيان في ذهن «صاحب موسى».
جاء في بعض الروايات عن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ما مضمونه : إنّ موسى كان نائماً حين انسابت الحوت وسقطت في البحر وذهبت في سبيلها ، وأنّ صاحبه «الذي كان يشاهد هذا الموقف» لم يرغب في إيقاظه وإخباره بذلك ، كما أنّه نسي أن يخبره بعد استيقاظه أيضاً ولذلك فقد واصلوا مسيرهم يوماً وليلة آخرين ، ثمّ تذكّر هذا الرجل الحادثة وقصّها على موسى عليهالسلام فاضطرّا للرجوع إلى مكانهما الأوّل ، الذي سقطت فيه السمكة في الماء (١).
كما قال البعض أيضاً : إنّ الأنبياء معصومون من النسيان المرتبط بدعوتهم ، دون ما له علاقة بأمر عادي يومي ، فالنسيان أمر عادي لا يرتبط من قريب أو بعيد ، بمسألة الوحي
__________________
(١) تفسير المراغي ، ج ١٥ ، ص ١٧٤.