٣ ـ لو قبلنا هذا التفسير على سبيل الفرض ، لأمكن القول : إنّ الصلاة التي أدّاها قضاءً كانت صلاة مندوبة ، قد فاتت سليمان وأنّها كانت قبل غروب الشمس ، فكيف يثبت كونها صلاة واجبة؟ وأساساً كيف يثبت كون الفائت هي الصلاة؟! ربّما كانت أذكاراً خاصّة يؤدّيها سليمان قبل الغروب ، وقال بعض المفسّرين أيضاً : إنّ «ذِكر رَبّي» لو كان يعني الصلاة الواجبة ، وأنّ سليمان عليهالسلام كان قد غفل عنها لانشغاله بالجياد استعداداً للجهاد ، فلن يرد عليه إشكال أبداً ، لأنّ نفس عمل سليمان هذا يعدّ عبادة عظيمة قد أغفلته عن عبادة اخرى.
لكن هذا التفسير أيضاً يبدو بعيداً ، نظراً للأهميّة الخاصّة التي تتمتّع بها الصلاة ، والصحيح هو ما قيل أوّلاً.
* * *
٨ ـ يونس عليهالسلام
وهناك آية في القرآن الكريم حول هذا النبي العظيم أيضاً ، حيث تبيّن أنّه اعترف أمام الله تعالى بالظلم ثمّ طلب العفو والمغفرة وأنّ الله استجاب دعاءه وغفر له بعد اختبار طويل ، يقول تعالى : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِى الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ) ثمّ يضيف قائلاً : (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِى الْمُؤْمِنِينَ). (الأنبياء / ٨٧ ـ ٨٨)
وهنا يثار هذا السؤال وهو : كيف يتناسب وضع يونس في صفوف الظلمة مع منزلة عصمته ، ولمن ظلم؟ ، وما هي نوعية الظلم؟ ثمّ أنّ يونس عليهالسلام على من غضب؟ ولماذا ظنّ أنّ الله لن يضيّق عليه؟ ألا يمكن لهذه الجهات الثلاث مجتمعة أن تكون بمثابة علامة إستفهام على مسألة عصمته؟
ورد نفس هذا المعنى بشكل غامض في القرآن الكريم : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ* لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ* فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ). (القلم / ٤٨ ـ ٥٠)
كما يستفاد من هذا التعبير أيضاً أنّه كان قد تسرّع في أمره وأشرف على الهلاك لولا أن أسعفه لطفه تعالى.