الجواب :
في البداية يجب فصل نصّ الآية عن الروايات الموضوعة التي حيكت حولها ولننظر إلى ما تقول ، ثمّ نتعرّض لنقد وتحقيق الروايات :
من المحقّق أنّ هذه الآية وبقطع النظر عن الهوامش المصطنعة ، لا تخدش عصمة الأنبياء فحسب ، بل تعدّ من الأدلّة على عصمتهم أيضاً : إذ يقول : حينما يتمنّى الأنبياء امنية صالحة «الامنية» تطلق على كلّ أنواع الأمل والرجاء ، لكنّها هنا تعني البعد الايجابي البنّاء لتحقيق أهداف الأنبياء ، لأنّها لو لم تكن ذات بعد إيجابي لما ألقى فيها الشيطان إلقاءاته) ، كان الشيطان ينقض عليهم ويلقي القاءاته لكن الله كان يبطلها على الفور ، ويحكم آياته قبل أن تترك تلك الوساوس أثرها السيء على إرادة الأنبياء وتصرّفاتهم.
(لا يخفى أنّ «الفاء» في (فينسخ الله) إشارة إلى الترتيب المتصل ، أي أنّ الله كان ينسخ ويزيل القاءات الشيطان مباشرة) ، الدليل على هذا الكلام هو آيات القرآن الأخرى التي تقول بصراحة : (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً). (الإسراء / ٧٤)
نظراً إلى أنّ الآية (٧٣) : (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) من نفس سورة الإسراء والتي سبقت هذه الآية ، تبيّن أنّ الكفّار والمشركين كانوا يسعون بوساوسهم إلى حرف النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله عن الوحي السماوي ، فيتّضح أنّ الله تعالى لم يدع لهم المجال أبداً ليفلحوا بوساوسهم تلك (تأمّل جيّداً).
كما نقرأ أيضاً : (وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ). (النساء / ١١٣)
هذه كلّها تبيّن أنّ الله قد حفظ نبي الإسلام من كلّ أنواع الإنحراف ولم يفسح المجال أبداً بمنّه وفضله من نفوذ وساوس شياطين الإنس والجنّ إليه.
هذا كلّه فيما لو حملنا «الامنية» على «الغاية» أو «الخطّة» أو «الشروع» (لأنّ جذور هذه الكلمة الأصيلة تعود إلى «التقدير والتصوّر والفرض»).
لكن لو حملنا «الامنية» على التلاوة ، كما احتمله معظم المفسّرين ، بل وحتّى استشهدوا