البشرية تنشأ على نوع من التربية يدفعها بالنتيجة إلى إقامة العدالة بنفسها! والمهمّ أيضاً هو ظهور هذه المسألة في المجتمع بصورة إراديّة لا قهرية.
والتعبير بـ «الميزان» عن القوانين الإلهيّة إنّما هو لدورها المهمّ في المسائل الحقوقية المشابهة لدور الميزان في بيان وزن كلّ شيء كما هو عليه ، وإنهاء حالة الخلاف والنزاع القائمة ، ونظراً لكون القوانين البشرية الوضعية صادرة من علم الإنسان الناقص فلا يمكن الإعتماد عليها ولا يمكنها أبداً تحقيق العدالة ، بل ينحصر تحقّق هذا الأمر في القوانين الإلهيّة النابعة من علم الله تعالى اللانهائي الذي لا يخالطه الخطأ والإشتباه ، ذلك العلم الذي تنسجم معه النفس المؤمنة وتركن إليه.
ويوجد أيضاً فريق لا يبالي بأيّ من هذه الامور ، بل نراه يضع كلّ شيء تحت قدميه حفاظاً على مصالحه الشخصية ، فلابدّ من مقاومة هؤلاء بقوّة السلاح ، وما جملة «وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد» المتمّمة لهذه الآية إلّاإشارة إلى هذا الفريق الذي لا يعرف سوى لغة السيف.
ومع أنّ البعض قد ذهب إلى أنّ التعبير بـ «أنزلنا» يعني مجيء الحديد (الصخور الحديديّة) إلى كرتنا الأرضية من الكواكب الاخرى ، لكن تعبير أنزلنا يأتي أحياناً في غير الحديد أيضاً فمثلاً في أنواع الحيوانات كما ورد قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ...). (الزمر / ٦)
وجاءت أيضاً للألبسة التي تغطّي بدن الإنسان حيث قال تعالى : (يَا بَنِى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِى سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ). (الاعراف / ٢٦)
تبيّن هذه الآية أنّ المراد منه هو الخلقة والإبداع الإلهي في نفس الأرض ، ونزول هذه الموهبة الإلهيّة من مقام الربوبية الشامخ إلى مقام الإنسان الداني ، يعبر عنها بأنزلنا وبعثنا.
كما يُشاهد هذا التعبير أيضاً في المحاورات اليومية ، فحينما تصدر أوامر أو تبعث هديّة من رئيس دولة مثلاً إلى مادونه يقال : إنّ هذه الأوامر أو الهديّة قد جاءت من المراتب العليا!
* * *