الإنسان في أقصى نقاط المعمورة ـ تفرض على الإنسان تلك القيود والأغلال والأثقال المضنية التي تعود إلى العصر الجاهلي وبعناوين ومصطلحات جديدة ، فالقوى العظمى تسعى دائماً وبصورة علنية للسيطرة على الشعوب واسترقاقها وتسخيرها مستخدمة كافّة الوسائل العسكرية أو الإعلامية أو بنشر ألوان ونهب ثرواتها الفساد الأخلاقي ، وقد بلغ ظهور هذا الأمر اليوم حدّاً يستحيل إنكاره بل لا يكاد يخلو منه التاريخ المعاصر في كافّة أرجاء المعمورة ، وهي تسعى للقضاء على شعارات الحرية الجميلة.
أجل ، فإنّ أحد الأهداف الرئيسية من بعثة الأنبياء عليهمالسلام هو إنقاذ الإنسان وتخليصه من أسر وقيود العبودية المقيتة.
* * *
٥ ـ النجاة من الظلمات
وذكر في الآية السادسة الهدف وراء البعثة ونزول القرآن المجيد وهو إخراج الناس من الظلمات إلى النور ، يقول تعالى : (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ).
و «الظلمات» نظراً لورودها بصيغة الجمع فانّها تمثل مفهوماً واسعاً وشاملاً لكلّ أنواع الظلمات : ظلمة الشرك والظلم والجهل وهوى النفس ، وأنواع الحجب التي تسدل على قلب الإنسان وكذلك الظلمات التي تخيّم على المجتمعات.
فالهدف من نزول الكتب السماوية هو إنقاذ الإنسان من كلّ هذه الظلمات والأخذ بيده نحو نور التوحيد والتقوى والعدل والإنصاف والاخوّة و...
والملفت للنظر هنا مجيء «الظلمات» بصيغة الجمع و «النور» بصيغة المفرد ، وذلك لأنّ طريق التوحيد والحقّ واحد لا يوجد طريق سواه ، وهو ذلك الطريق المستقيم الذي يربط بين المبدأ والمعاد فهو يختلف عن طرق الضلال المتشعّبة ، فنور الإيمان والتقوى هو أساس الوحدة والإتّحاد ، أمّا ظلمات الشرك واتّباع الهوى والطغيان فهي السبب الأساس في الاختلاف والحيرة والضياع.