تمهيد :
لفظة «الغيب» تقابلـ «الشهود» ، والشهود يطلق على الموارد التي يكون فيها الشيء قابلاً للإحساس والمشاهدة ، وبهذا فالغيب يطلق على كلّ الامور الخافية عن شعور الإنسان ، ولذا ورد في البعض من الآيات القرآنية تعبير «الإيمان بالغيب» عند التطرّق للإيمان بالله واليوم الآخر : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ). (البقرة / ٣)
وفي موضع آخر يصف القرآن المتّقين : (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ). (الأنبياء / ٤٩)
بل وحتّى يمكن أن يعدّ الشيء واضحاً محسوساً لفرد وغير محسوس لآخر وذلك لعدم حضوره في ذلك المكان حيث يطلق «الغيب» على ذلك أيضاً ، كما نقرأ في قصّة يوسف عليهالسلام أنّ امرأة عزيز مصر حينما اعترفت بطهارة يوسف في غيابه أضافت قائلة : (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ (يوسف) (أَنِّى لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ). (يوسف / ٥٢)
بعد هذا يدور الكلام حول الأنبياء الإلهيين وهل أنّهم مطّلعون على أسرار الغيب والامور الخافية عن حواس الإنسان (الشاملة للمحسوس غير الحاضر ، أو غير المحسوس أصلاً) أم أنّ علم الغيب يختصّ بذاته تعالى ، وأنّه لا سبيل لسواه إليه أبداً؟
تبدو آيات القرآن وللوهلة الاولى وكأنّها على قسمين متفاوتين : القسم الأوّل يعتبر علم الغيب خاصّاً به تعالى ، والقسم الآخر يقول بإمكانه لغيره أيضاً ، ولغرض الإجابة على السؤال أعلاه لابدّ من مراجعة هذه الآيات أوّلاً ، ثمّ التطرّق لكيفية الجمع بينها.
أمّا بالنسبة للقسم الأوّل فالآيات الآتية ملفتة للنظر :