تعالى ، يبيّن أنّ الله وحده هو المحيط بغيب وشهود الكون ، حيث إنّها ذكرت كصفة خاصّة وفي مقام الحصر ، فيستفاد منها أنّ غيره تعالى حتّى الأنبياء لم يكونوا مصاديق لـ (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ).
ومع أنّ المفسّرين قد ذكروا عدّة احتمالات لتفسير هذه الآية ، إذ فسّرها بعضهم بـ «عالم السِّرِّ والعَلانِيةِ» ، والبعض الآخر بـ «ما كان وما يكون» ، وثالث بـ «العالم بالدنيا والآخرة» ، ورابع بـ «العالم بما هو ظاهر لخلقه وما هو خفي عنهم» (١) ، لكن من الواضح أنّ كلّ هذه قد وردت حول معنى الآية بصيغة الجمع ، لأنّ كلمتي «الغيب» و «الشهادة» اللتين تعنيان هنا العموم ، والمذكورتين بـ (الف ولام الجنس) ، شاملة لكلّ الغيوب والشهود الأعمّ من السابقة واللاحقة ، الدنيا والآخرة ، السرّ وأخفى ، السماوات والأرض ، الماديات والمجردات.
ومع أنّ هذا التعبير في الآيات العشر المشار إليها ، قد ذكر في كلّ مناسبة لغرض معيّن ، وأنّ القرآن استنتج من كلّ مورد نتيجة ، لكن مفهومه في كلّها واحد ، وهو الإحاطة العلمية لله بأسرار الغيب والشهادة الخاصّة بذاته المقدّسة.
* * *
النتيجة :
يمكن الإستنتاج بوضوح من مجموع العبارات الستّ أعلاه والتي تكرّر بعضها في القرآن أنّ علم الغيب والإحاطة بالأسرار الغامضة خاصّ بذاته تعالى.
* * *
والآن نذهب وراء القسم الثاني من الآيات والتي تعطي الأنبياء عليهمالسلام سهماً من علم الغيب ، إذ ينبغي التحقيق فيها جيّداً ليتّضح الدليل على عدم تضادّها مع آيات القسم الأوّل
__________________
(١) تفسير القرطبي ، ج ٩ ، ص ٦٥٢٤ ، ذيل الآية ٢٢ من سورة الحشر.