المخفية بين ثنايا نفس هذه الآيات :
١ ـ (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً* لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَىْءٍ عَدَداً). (الجنّ / ٢٦ ـ ٢٨)
٢ ـ (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِى مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ). (آل عمران / ١٧٩)
٣ ـ (وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ). (آل عمران / ٤٩)
* * *
جمع الآيات وتفسيرها
وصف الله في أوّل آية بأنّه : (عَالِمُ الْغَيْبِ) المطلق ، أي المطلع على كلّ الأسرار الخفيّة ، يقول تعالى : (عَالِمُ الْغَيْبِ) ثمّ يستثني قائلاً : (إِلَّا مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ).
أي أنّ الله يطلع مثل هؤلاء الرسل على ما شاء من أسرار الغيب ، وبناءً على هذا فهم بأنفسهم لا يعلمون شيئاً عن الغيب ، لكنّهم يطّلعون عليه بتعليم إلهي.
ثمّ يضيف : (فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) (ليحفظه من كلّ انحراف).
هذا التعبير دليل على مقام عصمة الأنبياء ، وكذلك تأكيد على علمهم بأسرار الغيب.
هذا طبعاً في حالة كون «رَصَداً» بمعنى «المراقب» أو «المراقبين» من الملائكة الإلهيين ، لكن هناك تفاسير اخرى أيضاً لهذه الجملة ، من جملتها أنّ المراد بـ «رصداً» هو الطرق التي رسمها للماضين ، أو الذين سيأتون في المستقبل و (جملة (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) إشارة إلى الحوادث السابقة و (وَمِنْ خَلْفِهِ) إشارة إلى الحوادث اللاحقة).
وقيل أحياناً إنّه إشارة إلى الحفظة من الملائكة الذين يحفظون الأنبياء من شرّ الأعداء(١).
__________________
(١) يجب ألّا يفوتنا أنّ «الرصد» يعني في الأصل المراقب الذي يكمن في موضع ليراقب الأحداث عن كثب أي الإستعداد للترقّب وربّما كان إطلاق هذه اللفظة على الطريق لنفس هذا السبب ، وإلّا فأصلها هو ما قيل أعلاه طبقاً لقول صاحب مقاييس اللغة ؛ والراغب في المفردات.