وثانياً : يقطع على أهل الكذب الطريق ويحول دون تقديمهم الحجج والادّعاءات الجوفاء ، أو بتعبير علمي أدقّ فإنّ مسألة استحقاق الجزاء بالنسبة لهذه المجموعة تخرج من إطار «الاستعداد والقوة» إلى حَيّز «الفعلية».
ولذا قال تعالى : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) ، كما ورد نظير هذا المعنى في آيتين أخريين يتّحد مضمونهما في قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى). (طه / ١٣٤)
وورد قريب من هذا المعنى في قوله تعالى : (وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ). (القصص / ٤٧)
* * *
٨ ـ رفع الاختلاف
المجتمعات البشرية كانت ولا تزال تعاني الأمرّين من الاختلاف وتحترق بناره ، وتضيّع المزيد من القدرات والإمكانات الهائلة بسببه ، تلك الإمكانات التي لو وضعت في مكانها المناسب لغدت الدنيا جنّة الفردوس.
ومن جهة اخرى فإنّه من المُسلّم أنّ الناس لا يستطيعون تسوية الاختلافات التي تقع بينهم ، وذلك بسبب قصور ومحدودية علمهم بكل جوانب الحياة ، بالإضافة إلى الأنانية والتكبر الذي يمنعهم من الاذعان والركون إلى بعضهم البعض.
أمّا الأنبياء عليهمالسلام الذين ينبع علمهم من بحر علم الله تعالى اللامتناهي والذي لا يُقارَن بمستوى علم البشر ، فإنّهم يتمكّنون من أداء دور فعّال في حلّ تلك الاختلافات وإزالتها.
صحيح أنّ عالم المادّيات هو عالم الحجب ، إذ لا يمكن رفع الاختلافات كليّاً بين الناس بأيّ طريقة ، ولكنّه من المؤكّد إمكان إزالتها نسبيّاً في ظلّ تعاليم الأنبياء عليهمالسلام.
* * *