لشيوع الأمراض آنذاك ، فوضع الله هذه المعجزات الخاصّة تحت تصرّف المسيح ، ليتعرّف به العالم وغيره ويستسلم له ولتتجلّى عظمة إعجازه بشكل أكبر (١).
هذه الملاحظة أيضاً جديرة بالاعتبار وهي وجود نوع من التنسيق بين هذه المعجزات الماديّة ، وبين البرامج المعنوية والتربوية للسيّد المسيح : فلقد ربى بدعوته هذه أناساً متفتّحين على أفكار ومعارف جديدة ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، شفاء المرضى الذين يستحيل علاجهم على يديه ، وإحياء ضحايا وادي الضلال وهداهم ، ومسح بأسرار الغيب وأنوار المعرفة على القلوب ، وبهذا كانت تلك المعجزات الماديّة متناسبة مع هذه الأهداف المعنوية.
صحيح أنّ «المعجزة» يجب أن تكون عملاً خارقاً للعادة بحيث يعجز الكلّ عن الإتيان بمثله ، لكن الله الحكيم الذي يتصرّف بحكمة ، قد اختار المعجزات طبقاً لبرنامج مدروس.
هذه الملاحظة أيضاً جديرة بالتأمّل والتفحّص وهي أنّ التعبير بـ «إذن الله» قد تكرّر مرّتين في هذه الآية ، لئلّا يضل الجهّال في وادي الشرك أو يبالغوا في درجة النبي إلى مرتبة الغلو ، خصوصاً وأنّ كيفية خلق عيسى كانت بشكل يساعد على تهيئة الأرضية المناسبة للغلو في أفكار قصيري النظر ، ولذا فقد تمّ التأكيد مراراً على إذن الله وأمره لئلّا يذهب بهم خيالهم إلى اتّصافه واقعاً بصفات الربوبية ، وكون هذه الأعمال صادرة منه بنفسه ، بل ليعلموا أنّها جميعاً من عند الله.
* * *
الآية الثالثة تبيّن بوضوح أنّ موسى عليهالسلام قد جاء للفراعنة بالعديد من خوارق العادة ، (أو بعبارة أخرى بالآيات المفصّلات) ، لكن الملأ من آل فرعون لم يؤمنوا بحجّة كون ذلكـ «سحراً» ، يقول تعالى : (وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ* فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ).
__________________
(١) وردت هذه الملاحظة في حديث عن الإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام (بحار الأنوار ، ج ١١ ، ص ٧٠).