الناشئة من هوى النفس والعجب والتكبّر ستبقى ما بقي الإنسان بالرغم من أنّ الأنبياء عليهمالسلام قد خفضوا من نسبتها بتعليماتهم القيّمة.
* * *
٩ ـ التذكير (بالنسبة للبديهيات والمستقلات العقليّة)
تمّت الإشارة في نفس هذه الآية إلى أنّ أحكام الأنبياء عليهمالسلام وتعليماتهم تؤيّد أحكام العقل وتدعمها ، وهذه بنفسها أحد أهداف بعثتهم.
وتوضيح ذلك : إنّ الإنسان يدرك الكثير من «حقائق» الكون وكذلكـ «ما ينبغي» و «ما لا ينبغي» بواسطة عقله ، لكنّ هناك وساوس مزمنة كامنة في هذه الإدراكات العقلية ، خصوصاً إشكالات السوفسطائيين أو الطوائف المنكرة للحسن والقبح العقليين وأمثالها التي تؤدّي إلى إضعاف العقل وبالتالي النظر إلى هذه الإدراكات والمستقلّات العقلية نظرة سلبية.
وهنا يستوجب اللطف الإلهي إرسال الأنبياء عليهمالسلام ليؤكّدوا ضمن دعوتهم إلى الله تعالى صحّة الإدراكات العقليّة وعلى أنّ الفتن الواقعية إنّما هي من فعل العقل البشري ، وذلك من خلال بياناتهم الصادرة من الوحي السماوي ، ويقطعوا الطريق أمام الوساوس التي تعترض هذه الإدراكات.
هذا هو الذي عبّر عنه القرآن بـ «التذكّر» ، يقول تعالى في الآية مورد البحث : (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) والتعبير بـ «الذكر» كثير جدّاً في القرآن ، ومجموع ما ذكر إثنتان وخمسون مرّة في مختلف الآيات والتي تشير أغلبها إلى القرآن الكريم.
أمّا التعبير بـ «ذكّر» (مخاطبة النبي بصيغة الأمر) فقد جاء في ستّة موارد ، وتعبير «يتذكّر» في ثمانية موارد ، و «تذكّرون» في سبعة عشر مورداً ، و «يتذكّرون» في سبعة موارد ، وما أكثر مشتقّات هذه المادّة في القرآن الكريم والتي تبيّن بمجموعها أنّ قسماً عظيماً من تعليمات الأنبياء عليهمالسلام لها صبغة تذكّرية وإعادة المنسيّات إلى الأذهان على أقلّ تقدير.