ومن هنا كان المخالفون يستشكلون على الأنبياء بأنّكم بشر مثلنا فكيف تمكنتم من الإرتباط بما وراء الطبيعة؟ ولذا فقد توسّلوا بالمعجزات لإثبات تفاوتهم مع الآخرين (١).
ومع أنّ كلا الجوابين مناسبان وفي نفس الوقت لا تنافي بينهما ، فالأوّل يبدو وكأنّه أوضح من الثاني.
* * *
٣ ـ الاختلاف بين معجزات الأنبياء عليهمالسلام
من المعلوم أنّ معجزات الأنبياء الإلهيين كانت متفاوتة ومتنوّعة كثيراً ، فهل ياترى أنّ هذا الأمر كان من قبيل الصدفة؟ أم أنّ هناك فلسفة ما وراء ذلك.
إنّ احتمال الصدفة بعيد جدّاً ، والظاهر هو أنّ الله الحكيم قد وضع معجزات الأنبياء بشكل بحيث تترك كلّ واحدة منها أكبر الأثر ، قياساً بالظروف الزمانية والمكانية لكلّ نبي على حده.
فمثلاً حينما نجد أنّ القرآن يُعتبر أكبر معجزة لنبي الإسلام صلىاللهعليهوآله ، فانّ ذلك بسبب:
أوّلاً : أنّ نبي الإسلام صلىاللهعليهوآله مبعوث إلى كلّ البشرية وإلى أبد الدهر ، ومن هنا فلابدّ والحالة هذه أن يأتي بمعجزة خالدة لا تفقد دورها بمرور الأيّام.
ثانياً : أنّه صلىاللهعليهوآله كان اميّاً ، فمجيئه بمثل كتاب القرآن يعدّ من أرفع مراتب الإعجاز.
ثالثاً : إنحطاط المستوى الفكري لبيئة الجاهلية مع رفعة مضامين القرآن ، وهذا قرينة واضحة اخرى.
مضافاً إلى ذلك نجد أنّ أدبيات العرب وعلى اختلاف أفكارهم ومعارفهم كانت في ذلك الزمان قد بلغت الذروة ، إذ كان لهم شعراء فحول وخطباء يضرب بهم المثل ، وبالإمكان الوقوف على نماذج منها في الشعر الجاهلي. فحينما يستسلم مثل هؤلاء أمام فصاحة وبلاغة القرآن ، تتجلّى هذه المعجزة بشكل أوضح.
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج ١ ، ص ٨٦ ، ذيل الآية ٢٣ من سورة البقرة (باقتباس).