٣ ـ جمع القرائن
المراد بـ «جمع القرائن» الذي نطرحه هنا باعتباره أحد أدلّة النبوّة هو كون دعوة كلّ نبي مقرونة بسلسلة من الاوضاع الزمانية والمكانية ، والحيثيات الاخرى المحيطة بحياته الخاصّة والعامّة ، فتشكّل بمجموعها عاملاً قويّاً يدلّل على صدق مدّعي النبوّة (مع قطع النظر عن مضمون دينه والذي تمّت الإشارة إليه سابقاً).
وهذا هو ما يستفاد منه اليوم في المحافل القضائية ، للكشف عن الحقيقة عند عدم وجود الشهود وعدم إقرار أو اعتراف المتّهم ، بل يتيقّن القاضي من سلسلة القرائن التي تحفّ بالواقعة ببراءة المتّهم أو إدانته ، وقد تفوق هذه القرائن بمجموعها الإقرار وشهادة الشهود من حيث الأهميّة في بعض الأحيان ، نظراً لإمكان الإقرار بدافع المصلحة الشخصية كالإعتراف بالجريمة لتبرئة ساحة المجرم الحقيقي في قبال ثورة كبيرة يحصل عليها المتهم غير الواقعى سرّاً ، أو أن يكون في الظاهر من ذوي الصلاح ، أما سرائرهم فملوّثة ، في حين أنّه لو تمّ جمع القرائن بشكل صحيح وكانت بالقدر الذي يعتدّ به القاضي لكان لها دور أكبر.
فوقوع حادثة قتل مثلاً في مكان ما مع إنكار المتّهم أو المتّهمين وعدم وجود البينة ، يدفع بالقاضي الفطن إلى الخوض في جمع القرائن وتسليط الضوء على امور من قبيل :
نوع العلاقة التي تربط المتّهمين بالمقتول وهل هي قائمة على الصداقة أم العداوة؟
مكان وقوع الحادثة ومميّزاته ومدى انسجامه مع المتّهمين.
وكذلك زمان وقوع الحادثة والمكان الذي كان فيه المتّهم حينها (وما هو الدليل على ذلك).