النسبة بين قوّة الروح الإنسانية وشدّة اتّصالها بالعقل الفعّال الذي هو مصدر العلوم طردية.
واستنتجوا من هذه المقدّمات أنّ اتّصال أرواح الأنبياء بالعقل الفعّال ولشدّة قوّتها يفوق العادة ، ولهذا السبب تمكّنت من استلام معلوماتها الكليّة (صورها) من العقل الفعّال في أغلب الأحيان ، ونظراً لحدّة «قواهم التخيلية» التي يدركون بواسطتها «الصور الجزئية» ولتبعيّتها للقوّة العقلية في نفس الوقت ، فقد تمكّنت من إعطاء صور محسوسة مناسبة لتلكـ «الصور الكليّة» التي استلموها من العقل الفعّال ، لتتجسّد في افق أذهانهم متلبسة بلباس الحسّ.
فمثلاً لو كانت تلك الحقائق الكليّة من قبيل المعاني والمعارف والأحكام فبإمكانهم سماعها على شكل ألفاظ موزونة جدّاً ، وفي غاية البلاغة والفصاحة على لسان شخص في غاية الكمال ، ونظراً لكمال هيمنة قواهم التخيلية على الحسّ المشترك (الحسّ الذي يدركون من خلاله صور المحسوسات) فبإمكانها إضفاء صبغة «الحسّية» على هذه الصور «الذهنية» ، وتمكين النبي من مشاهدة ذلك الشخص على هيئة ملك ببصره وسماع ألفاظه باذنيه! (تأمّل جيّداً).
* * *
إنتقادات
هذه الفرضية قابلة للنقد من عدّة جهات :
أوّلاً ـ إبتناؤها على «الأفلاك البطليموسية التسعة» و «العقول العشرة» التي أبطل أحدها بشكل قاطع ، ولم يوجد أي دليل لإثبات الآخر ، وبديهي أنّ فرضية كهذه لا يمكن قبولها أو تقييمها.
ثانياً ـ هذه الفرضية ليست سوى محاولة للاهتداء إلى الطريق لحل مسألة خارجة عن نطاق أفكارنا ، والإحاطة بها تفصيلاً ، (بالضبط كرغبة المكفوف للوقوف على حقيقة النور والألوان عن طريق الفرضيات التي ينسجها مستعيناً بحواسّه) إذ من الواضح أنّ فرضيّة كهذه لا يمكنها أن تلاقي النجاح أبداً.