لكن : (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِى مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
وبناءً على هذا فقد ظهر هنالك نوعان من الاختلاف بين الامم ، الاختلاف الأوّل قبل ظهور الأنبياء والناشيء من اختلاط العلوم البشرية بأنواع الأخطاء والجهل والإشتباه في تشخيص الحقائق ، ففرّق الأنبياء بين الحقّ والباطل ووضعوا نهاية لتلك الخلافات مدعومين بالوحي.
الاختلاف الذي كان بعد ظهور الأنبياء ، والناشيء من البغي والظلم والحسد وعبادة النفس ، حيث قام فريق بتفسير ثمرة تعاليم الأنبياء طبقاً لميولهم ومصالحهم وحرّفوا الحقائق وفقاً لأهوائهم ، فلم ينج من عاقبة هذه الاختلافات سوى المؤمنين الحقيقيين نظراً لعدم إمكان إزالة هذه الاختلافات إلّافي ظلّ الإيمان والتقوى.
ومن هنا يتّضح الجواب عن سؤال يثار حول هذه الآية وهو أنّه : لو كان مجيء الأنبياء هو من أجل حلّ الخلافات العقائدية والفكرية والاجتماعية ، فلماذا واصلت هذه الاختلافات مسيرها بعدهم أيضاً؟
الآية المذكورة تقول بوجود التفاوت بين هذين الاختلافين ، فالأوّل نابع من الجهل والغفلة وعدم الإطّلاع وقد زال ببعثة الأنبياء ، امّا الآخر فقد كان متضمّناً لدوافع كالبغي والظلم والعناد والغرور حتّى دفع بالبعض إلى مواصلة طريق الفرقة عن قصد ، حتّى بعد أن تبيّن لهم الحقّ ، وفي الواقع فقد كان الاختلاف الأوّل نابعاً من قصور الناس والثاني من تقصيرهم.
على أيّة حال يستفاد من الآية الآنفة الذكر أنّ الدعوة إلى الوحدة ومحاربة الاختلاف وفي أبعاد ومجالات مختلفة كانت من بين الاصول العامّة لمسؤولية الأنبياء.
* * *
١٤ ـ الدعوة إلى الإصلاح والنهي عن الفساد : تعدّ أيضاً من البرامج الرئيسيّة لدعوة