والشرط في موفّقية المربّي في مهمّته أنّ يتمكّن من الظهور كقدوة متكاملة في تطبيق تعليماته من الناحية العملية فضلاً عن التربية اللازمة ، وأن يعكس كلّ المسائل التربوية من خلال صفاته وأخلاقه وتصرّفاته ، ولا يمكن هذا إلّاأن ينتخب الأنبياء عليهمالسلام من جنس البشر كقدوة حسنة ، فيعكسوا صفات الإنسان الكامل وسلوكه من الناحية العملية ليقتدي بهم الناس ، ويسيروا على خطاهم فيقطعوا هذا الطريق المليء بالعثرات والعقبات بقيادتهم.
وبعبارة اخرى : هناك في وجود الإنسان شيء اسمه روحية «المحاكاة» أي أنّه ينجذب بصورة لا إرادية نحو ما يراه في أفراد جنسه ، وهذا الإحساس طبعاً لا يبلغ مرتبة الدافع القهري بل هو بمثابة الأرضية المناسبة لحركة إرادية كما هو الحال في الظمأ فإنّه لا يجبر الإنسان العطشان على شرب الماء لكنّه يعدّ بمثابة الأرضية لذلك.
حينما يأتي الأنبياء عليهمالسلام أو الأئمّة المعصومون عليهمالسلام الذين هم من جنس البشر بالتعليمات الإلهيّة الجامعة إلى من يماثلهم ويطبّقون هذه التعليمات عمليّاً ويعكسون الفضائل الإنسانية بالتقوى والصدق يحصل باقي البشر على أرضية مناسبة لاكتساب مثل هذه الصفات.
ولذا فالقرآن الكريم يصرّح بضرورة كون النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله من جنس البشر ، كما أنّه لو كان هنالك ملائكة يعيشون في الأرض لوجب ظهور أنبياء من جنسهم ، وذلك ردّاً على اولئك الذين يصرّون قائلين لماذا لم يكن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله من جنس الملائكة أو لماذا لم يصطحبه ملك على أقلّ تقدير؟ يقول تعالى : (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً* قُلْ لَو كَانَ فِى الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً). (الإسراء / ٩٤ ـ ٩٥)
يبدو أنّ التعبير بـ «ملائكة يمشون مطمئنين» لبيان هذه المسألة وهي أنّه حتّى لو كان هناك ملائكة يعيشون في الأرض متسالمين لبعثنا إليهم ملكاً من جنسهم كقائد يقودهم بالرغم من انعدام الخصومات فيما بينهم ، نظراً إلى أنّ مهمّة الأنبياء عليهمالسلام لا تنحصر في إنهاء حالة التخاصم وإقامة القسط والعدالة الاجتماعية ، بل تعدّ كلّ هذه مقدّمة لطيّ طريق