يبيّن أنّ أصل النبوّة إنّما يرتكز على الصدق ، خصوصاً إنّ «صدّيقاً» هي صيغة مبالغة للصدق (١) ، وتعني كثير الصدق أو الذي لا يكذب أبداً والذي يوافق قوله عمله ، وبناءً على هذا فالأرضية المناسبة لتقبّل النبوّة المتوفّرة لدى جميع حملة الوحي الإلهي هي «الصدق المطلق» ليتمّ من خلاله إيصال أمر الله تعالى إلى عباده بدون أيّة نقيصة.
طبعاً يمكن للناس اكتشاف هذه الخصلة في النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله من خلال تتبّع حياته السابقة كما هو الحال تماماً في أهالي مصر عندما عرّفوا يوسف بـ «الصدّيق» وخاطبوه بـ (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ). (يوسف / ٤٦)
* * *
٢ ـ الالتزام بالعهود والمواثيق
الكلام في الآية الثانية عن الصدق أيضاً لكن لا في القول بل في العهود والمواثيق ، واللطيف هنا أيضاً هو ورود هذه الخصلة قبل الوصف بالرسالة والنبوّة والتي تشير إلى صنعها الأرضية المناسبة لمنزلة النبوّة ، لأنّ القسم الأعظم من دعوة الأنبياء عليهمالسلام إنّما يرتكز على أساس الوعود التي تعطى للمستقبل ، ولو لم يكن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله صادقاً في وعوده لانهارت أُسس دعوته ، قال تعالى في ذلك : (وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً) ، وبديهي إنّ من كان كاذباً في كلّ شيء حتّى في وعوده لا يمكن أن يبلغ مقام الرسالة الشامخ وذلك لأنّ الشرط الأوّل لهذه المنزلة هو إيمان الناس بأقواله ووعوده واختبارهم لصدقه في كافّة الميادين.
ولذا فحتّى الأفراد المعدودون الذين لا يعتبرون مكانة «العصمة» شرطاً أساسيّاً للنبوّة في كافّة المجالات نراهم يعتبرون الصدق من بين الشروط.
وفيما يتعلّق بكون «إسماعيل عليهالسلام» صادق الوعد ، فقد جاء في الكثير من كتب التفسير
__________________
(١) يقول الزمخشري : الصدّيق من صيغ المبالغة وتعني الغاية في الصدق والتصديق بالآيات الإلهيّة (تفسير الكشّاف ج ٣ ، ص ١٨).