٤ ـ الرغبة والشفقة الفائقتان
إنّ الإنسان الذي يقود الناس ويتحمّل مسؤولية هدايتهم وتربيتهم كمعلّم صالح لهم هو ذلك الشخص الذي له رغبة شديدة بهذا العمل وفي قلبه شفقة على الناس ، بل إنّه يعشقهم فلولا حبّ الأبوين لولدهما لما تحمّلا أبداً كلّ هذه المشاكل لرعايته وتربيته ، ولولا حبّ الأنبياء عليهمالسلام لهداية الناس لما تحملوا أبداً أعباء هذا العمل الذي يفوق طاقه الإنسان ، ولما عرّضوا أنفسهم لأنواع المخاطر في هذا الطريق.
وقد أكّد القرآن مراراً على هذه المسألة كما ورد في الآية الرابعة من بحثنا ، ونقلاً عن لسان «هود» نبي الله تعالى حيث قال لقومه المعاندين المتعصّبين : (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّى وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ).
ونفس هذا المعنى ورد بتعبير أدقّ في حقّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله حيث يواسيه تعالى ويقول : (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً). (الكهف / ٦)
كما جاء نظير هذا المعنى أيضاً في قوله تعالى : (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوامُؤْمِنِينَ). (الشعراء / ٣)
«ناصح» مأخوذة من مادّة «نصح» وتعني على حدّ قول الراغب في مفرداته ، تحرّي فعل أو قول فيه صلاح صاحبه (أي أنّه يشمل تحرّي الصلاح قولاً وفعلاً) ، وقد جاء في القرآن أنّ نوحاً عليهالسلام دعا قومه ألف سنة إلّاخمسين عاماً فتحمل أنواع المشقّة لتبليغهم رسالات ربه وهدايتهم وبالنتيجة لم يؤمن به خلال كلّ هذه المدّة إلّانفر قليل ، (ذكرت التواريخ أنّ عددهم لم يتجاوز نيفاً وثمانين نفراً فقط) ، وبعبارة علمية بسيطة فانّ نوحاً قد تحمّل مشقّة اثنتي عشرة سنة تقريباً لهداية كلّ واحد منهم على انفراد ، وبديهي أنّ تحمّل مثل هذا التعب والمشقّة لا يتحقّق إلّافي ظلّ الرغبة والحب الشديدين لهداية الخلق.
* * *
٥ ـ الإخلاص والإيثار الكامل
من الصفات المهمّة للأنبياء عليهمالسلام التي أكّد عليها القرآن هي عدم انتظارهم لأي نوع من