بكلّ الطرق والوسائل لهدايتهم على حدّ قوله ، إذ أنّه كان يدعوهم علناً أحياناً وأحياناً اخرى سِرّاً ، ليلاً أو نهاراً ، يذهب إلى بيوتهم أو يشاركهم في جلساتهم العامّة في بعض الأحيان ، وإنّه لم يؤمن به طوال كلّ هذه المدّة إلّانفر قليل ، يعكس مدى مداراته لهؤلاء الوثنيين العاصين.
ولحن قوله تعالى الوارد في سورة نوح عليهالسلام يبيّن بكلّ وضوح استخدامه اسلوب الترغيب ، وأنّه لم يقدم على لعنهم والدعاء عليهم إلّابعد أن يئس تماماً منهم ومن ذرّيتهم.
إنّ الإنسان تصيبه الدهشة أحياناً عندما يرى ما لبعض الأنبياء من رأفة وحسن خُلق ، فقد ورد عن «لوط» عليهالسلام مثلاً في القرآن الكريم إنّه عرض بناته على قومه المذنبين للزواج منهنّ (بعد الإيمان) أملاً في أن يمنعهم من القيام بأعمالهم الشنيعة تلك.
وعلى أيّة حال فإنّنا كلّما تمعّنا أكثر في حياة هؤلاء العظام كلّما وقفنا على مميزات وصفات أخلاقية أكبر لهم.
* * *
١١ ـ الفوز في المحن الشاقّة
تعرّض الكثير من الأنبياء عليهمالسلام خلال حياتهم لمختلف أنواع الإختبارات الشاقّة ، وكانت صفاتهم البارزة هي تحمّل أنواع الشدائد ، وعدم الغرور عند النصر ، وباختصار الفوز في الإمتحانات الإلهيّة الصعبة.
فالنبي نوح عليهالسلام في فترته التبليغيّة البالغة تسعمائة وخمسين سنة ، وموسى عليهالسلام خلال خدمته لشعيب في مدين وخلال فترة تحدّيه الطويلة لفرعون وفترة انحراف بني إسرائيل عن التوحيد والخروج على أوامره ، وكذلك سائر الأنبياء مثل أيّوب وعيسى ولوط وشعيب وهود عليهمالسلام وخصوصاً إبراهيم عليهالسلام قد ابتلوا جميعاً في ميادين الإبتلاء هذه.
وقد جاء في الآية المعنية عن إبراهيم عليهالسلام إنّه تعالى قد منحه مقام الإمامة المطلقة فضلاً عن مقام النبوّة وذلك بعد فوزه في الإختبار ، قال تعالى : (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ