جمع الآيات وتفسيرها
كيف يكون المذنبون دعاةً للتقوى؟
إنّ الآية الاولى من آيات بحثنا تكشف النقاب عن ثلاثة مواضيع :
الأوّل : الإبتلاءات الكبيرة التي أُبتلي بها إبراهيم من قبل الله تعالى ، والتي اجتازها بنجاح تامّ.
الثاني : المكافأة العظيمة التي نالها إبراهيم من الله بعد هذا الاختبار ، أي مقام الإمامة.
الثالث : طلب إبراهيم منح هذه الموهبة لبعض ذرّيته ، وجواب الله تعالى له بأنّ الظالمين من ذرّيته لن ينالوا هذا المقام الرفيع أبداً :
(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِى قَالَ لَايَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ).
أمّا فيما يتعلّق بالقسم الأوّل فقد تقدّم الكلام عنه بشكل وافٍ فيما مضى ، كما أنّ هناك حديثاً طويلاً فيما يتعلّق بالقسم الثاني أي نيل مقام الإمامة الرفيع وماهيتها.
فهل أن الإمامة تعني «النبوّة»؟ في حين أنّ هناك قرائن واضحة تدلّ على أنّ إبراهيم عليهالسلام قد تطرّق لهذا الأمر بعد وصوله لمقام النبوّة ، وفي أواخر سنيّ عمره ، حينما كان له أولاده وذرّيته كإسماعيل وإسحاق ، وعلى أمل امتداد ذرّيته هذه إلى الأجيال اللاحقة ، ومن هنا فقد تمنّى لهم أيضاً مقام الإمامة ، إذ إنّه وكما نعلم لم يرزق ولداً لمدّة مديدة ، حتّى أنّه أخذته الدهشة حينما بشّره الملائكة الموكّلون بهلاك قوم لوط ، هو وزوجته بولد كما تقرأ في قوله تعالى : (قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِى عَلَى أَنْ مَسَّنِىَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ* قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ). (الحجر / ٥٤ ـ ٥٥)
بل قد تعجّبت زوجته أيضاً لهذه البشرى واستغربت قائلة : (قَالَتْ يَا وَيْلَتى ءَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِى شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَىءٌ عَجِيبٌ). (هود / ٧٢)
لكن الملائكة حذّرته من تبعة اليأس من رحمة الله في كلّ الأحوال.
وبناءً على هذا فمن المستبعد جدّاً أن يكون المراد هو النبوّة ، بل المراد هو الحكومة