بالنسبة لآدم ، امّا سائر الأنبياء فيمكن أن تنظر إلى القسمين الأخيرين ، أي ترك الأوامر الإرشادية وترك الأولى (تأمّل جيّداً).
* * *
٢ ـ نوح عليهالسلام
تقرأ في قصّة نوح عليهالسلام : أنّه حينما بدأ الطوفان بسبب الأمطار الغزيرة المنهمرة من السماء ، والمياه المتدفّقة من باطن الأرض ، لم تمض مدّة طويلة حتّى أحاط الماء بكلّ مكان ، وأنّ نوحاً وأصحابه ركبوا السفينة ، وتعرّض إبنه للغرق لتمرّده على أمر أبيه ، وعدم إيمانه الذي يعدّ شرطاً لركوب السفينة ، فنظر نوح إلى السماء وقال : (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ). (هود / ٤٥)
أي قد وعدتني بإنقاذ أهلي ، فعاتب الله سبحانه نوح على الفور بخطاب قال فيه : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهلِكَ). (هود / ٤٦)
فَلِمَ تطلب ما ليس لك به علم؟! فاعتذر نوح وقال : (قَالَ رَبِّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِى وَتَرْحَمْنِى أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ). (هود / ٤٧)
في هذه الآية يعتذر نوح عليهالسلام عن طلبه ما ليس له به علم ، ويطلب من الله تعالى العفو والرحمة والمغفرة ، كما ويقول أيضاً : إن لم تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين.
السؤال هو : كيف تتلاءم هذه المواضيع الثلاثة ومقام عصمة الأنبياء؟
الجواب : يجب أوّلاً التدقيق في نوع الخطأ الذي ارتكبه نوح؟ هل كان ذنباً ، أم تصرّفاً في حدّ ترك الأولى؟ طبعاً كان الله تعالى قد حذّر نوحاً من مغبّة الشفاعة للظالمين (المشركين) لأنّهم مغرقون ، قال تعالى : (وَلَا تُخَاطِبْنِى فِى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ). (هود / ٣٧)
ولكن هل أنّ نوحاً كان يعلم بأنّ ابنه من زمرة الكفّار؟ ، إذ من الممكن وكما احتمله بعض المفسّرين أنّ الولد كان يخفي حاله عن أبيه ، وما أكثر اولئك الأبناء الذين نسمع عنهم أو نراهم يتظاهرون أمام آبائهم بالصلاح ، في حين ينتهجون نهجاً آخر في غيابهم.