مضافاً إلى ذلك ، وطبقاً للآية (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) (١). (هود / ٤٠)
فقد كان نوح يتصوّر أنّ إبنه سيكون من أهل النجاة ، إعتماداً على الوعد الإلهي ، ولذا طلب من الله تعالى ذلك في الآيات مورد البحث : (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِى مِنْ أَهْلِى وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ). (هود / ٤٥)
في هذه الحادثة لا نشاهد أي مصداق للذنب والمعصية من نوح سوى ترك الأولى ، إذ كان ينبغي عليه أن يتحقّق أكثر في حال ولده قبل أن يطلب من الله تعالى نجاته ، كما أنّ تعبير نوح بالنسبة لولده حين ناداه وقال له : (يَا بُنَىَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ) (هود / ٤٢) ولم يقل (من الكافرين) قرينة على أنّ نوحاً لم يكن يعتبر ولده من الكافرين بل معهم.
كما قال البعض أيضاً : إنّ نوحاً كان يعلم بكفر إبنه ، لكن حبّه الشديد له (بالإضافة إلى حالة الإضطراب التي أحاطت به عند حدوث الطوفان ، والتي كانت تفوق العادة) كان السبب وراء تجاهل نوح لوضع إبنه ولو مؤقتاً للجوء إلى الله تعالى لإنقاذه ، لكنّه انتبه بعد الإنذار الإلهي واعتذر لتركه الأولى.
* * *
٣ ـ إبراهيم عليهالسلام
هناك تعابير تبدو عند تفسيرها لأوّل وهلة وكأنّها نوع من الذنب ، وردت حول هذا النبي العظيم الذي يتميّز بمكانة خاصّة حتّى من بين الأنبياء عليهمالسلام ، من حيث الإيمان والإخلاص والإيثار والشجاعة والصبر والإستقامة ، نقر أفي القرآن الكريم أنّه القي القبض عليه بعد تحطيمه للأصنام وَمَثُلَ في المحكمة فسألوه : (قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ)؟ (الانبياء / ٦٢ ـ ٦٣)
فأجاب : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ).
__________________
(١) يمكن أن يكون هذا التعبير إشارة إلى الآية ٣٧ من نفس سورة هود «عدّة آيات قبل الآية مورد البحث» حيث يقول تعالى : (وَلَا تُخَاطِبْنِى فِى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) وأنّ واحداً من أجلى مصاديقها يتحقق في زوجة نوح التي التحقت بالكفّار وأنّ نوحاً بدوره لم يتعرّض للحديث عن نجاتها أبداً.