الانسجام الذي هو أحد الأدلة على عظمة هذا الكتاب السماوي؟ وإذن ما المانع من أن يكشف القرآن الستار بوضوح عن البحوث التوحيدية ومعرفة الله تعالى ، والمسائل التربوية المستندة لجملة من الحقائق العلمية المجهولة بصورة كاملة في ذلك العصر ، ومن ثم يوجه أتباعه ويوقفهم على هذا الأمر ، فبالإضافة إلى تحقق النتائج التوحيدية والأخلاقية من وراء ذلك ، يعتبر إمارة واضحة على حقانية القرآن فضلاً عن أنه يفتح باباً واسعاً للعلوم والمعارف.
وعلى هذا الأساس سنتطرق بدقة إلى نقطتين مهمتين في هذا البحث المتواصل وهما :
١ ـ سنختار المسائل الثابتة والمسلَّمة مائة بالمائة من العلوم الطبيعية مثل قانون الجاذبية ، والزوجية في عالم النباتات ، حركة الأرض ، وحركة المنظومة الشمسية ، وأمثال ذلك ممّا ثبت بالأدلة الحسية في يومنا هذا.
٢ ـ سننتخب من الآيات في هذا المجال ما هو صالح للانطباق على القواعد العلمية العصرية بدون أدنى تكلُّف أو تأويل ، أو بعبارة اخرى فدلالة الآيات التي تقع مورداً للقبول ، هي التي تكون وفق القواعد الأدبية التي يكثر فيها استفادة المعاني من الجمل والكلمات.
* * *
١ ـ القرآن وجاذبيته العامة
نقرأ في قوله تعالى : (اللهُ الَّذِى رَفَعَ السَّمواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ). (الرعد / ٢)
مما يستحق الإهتمام في هذه الآية ، أنّ القرآن لا يقول : إنّ السماء ليس لها عمد ، وإنّما يقول : ليس لها عمد قابل للرؤية والمشاهدة. يستفاد جيداً من هذا التعبير أنّ أعمدة السماء غير مرئية وأنّ هذه الأعمدة هي التي أرست دعائم السماء (١).
__________________
(١) يستفاد من ظاهر الآية أنّ «ترونها» وصف ل «عمد» ، وقول البعض : إنّ مفهوم الآية «ترونها بغير عمدٍ» هو أنّكم ترون السماء بغير عمد (وعلى هذا ، فعبارة «بغير عمد» جار ومجرور ومضاف إليه متعلقة بـ «ترونها» ، خلاف الظاهر أولاً ، وثانياً ، إنّ هذا التعبير يشير إلى أنّكم ترون السماء بدون عمد في حين أنّ لها اعمدة في حقيقة الأمر.