وذكر التاريخ أيضاً : إنّ أبا لهب كان شديداً عليه وعلى المسلمين ، عظيم التكذيب له ، دائم الأذى ، فكان يطرح العَذَرةَ والنتن على باب النبي وكان جارَهُ فكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : «أيُّ جوارٍ هذا يا بني عبد المطلب». وكان الأسود عندما يمرّ عليه فقراءُ المسلمين يستهزيء بهم ويقول : «هؤلاء ملوك الأرض» وكذلك كان العاص بن وائل يقول : «إنَّ مُحمداً أبتر لا يعيش له ولدٌ ذكر ...» (١).
الهجرةُ إلى الحبشة :
إزداد ضغط المشركين وتعذيبهم ، ففكر رسول الله صلىاللهعليهوآله بإنقاذ ضعفاء المسلمين وتخليصهم من أذى المشركين فدعاهم للهجرة إلى الحبشة ، وبالفعل هاجر إليها عدد منهم في السنة الخامسة للبعثة النبوية بعد سنتين من اعلان الدعوة الإسلامية وفي شهر رجب (٢).
وبهذه الهجرة أخذ الإسلام يتحرك وينتشر بصورة جديدة لذلك قررت قريش اعادة المسلمين من الحبشة واخضاعهم لها ، فأرسلوا هدايا ثمينة للنجاشي ملك الحبشة طالبين منه تسليم المسلمين لهم ، وبالرغم من اعطاء هدايا اخرى لبطانة النجاشي للتعاطف معهم ولكن النجاشي قال لهم : إنّ هؤلاء قد لجأوا إلينا ولا يمكن تسليمهم مالم نسمع حديثهم ، واحضر النجاشي المسلمين وأخذ يسألهم عن سبب لجوئهم إليه.
وانتخبوا جعفر بن أبي طالب ناطقاً عنهم للجواب عن استفسارات النجاشي الذي طلب منه أن يتلو عليه آيات من سورة مريم كانت تتضمن نظر رسول الإسلام صلىاللهعليهوآله في المسيح وامّه مريم عليهماالسلام ، بعدها أعلن النجاشي إبقاء المسلمين عنده ، وأرجع مبعوثي قريش.
ثم سأل النجاشي : «أي دين تدينون»؟ فقال جعفر : «أيّها الملك كنّا أهل جاهلية نعبدُ الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجِوار ، ويأكل القوي منّا الضعيف حتى بعثَ الله إلينا رسولاً منّا نَعرفُ نَسَبَهُ ، وصدقَهُ وأمانتهُ وعفافهُ فدعانا لتوحيد
__________________
(١) الكامل ، ج ١ ، ص ٤٩٣ ؛ وتفسير جامع البيان ، ج ٢ ، ص ٧٠.
(٢) سيرة ابن هشام ، ج ١ ، ص ٣٤٤ ؛ الكامل ، ج ١ ، ص ٤٩٨.