إضافة إلى أنّ الاتقان في الخلقة وحاكمية النظم والموازين فيها ، هو إشارة ودلالة على وضعها الفعلي لا على زمن اقتراب يوم القيامة ، حيث سيتلاشى النظام العالمي ليبنى على أنقاضه نظام جديد.
فضلاً عن ذلك فإنّ العلم الإلهي بالأفعال التي نقوم بها يرتبط بأفعالنا في هذه الدينا ، وإلّا فإنّ القيامة يوم حساب لا يوم عمل.
ويتضح من خلال هذه القرائن الثلاث أنّ هذه الآية لا تطابق حركة الجبال في نهاية مسيرة العالم ووقوع يوم القيامة بأيّ شكل من الأشكال ، غاية ما في الأمر أنّ جماعة من المفسرين لم يتمكنوا من إدراك عمق المفهوم في الآية ، فما وجدوا بُدّاً سوى القبول بخلاف ظاهر الآية ، وتفسيرها بمسألة القيامة.
كما تتضح هذه المسألة أيضاً وهي أنّ حركة الجبال لا تنفصل عن حركة الأرض ، بل هما مترابطتان مع بعضهما الآخر كوحدة واحدة ، فاذا تحركت الجبال تحركت الأرض الحركة الدائبة.
وربّما ينقدح في الذهن هذا السؤال : لماذا اقتصر الله تعالى على ذكر الجبال ، ولم يقل إنّك ترى الأرض فتحسبها ساكنة في حين أنّها متحركة.
والجواب عن هذا السؤال واضح ، لأنّ الجبال من أعظم الموجودات على وجه الأرض ، وهي مظهر من مظاهر الصلابة والصمود والاستحكام ، ولذا نقول لضرب المثل المعروف :
«إنّ الشخص الفلاني منيع وصامد كالجبل» ، ولذلك يمكن اعتبار حركة الجبال على عظمتها وصلابتها وثباتها ، أحد العلائم على القدرة اللامتناهية للحق تعالى ، لكن ممّا لا جدال فيه أنّ حركة الجبال هي احدى التجليات الواضحة لحركة الأرض.
وفي كل الاحوال ، تعتبر الآية المذكورة أحد المعاجز العلمية المهمّة للقرآن ، إذ من المعلوم أنّ العقيدة الرائجة والحاكمة لدى كافة المحافل العلمية الدولية في عصر نزول القرآن وزهاء الألف سنة بعد ذلك هي نظرية ثبات الأرض ودوران الكرات حولها ، والتي نشأت من هيئة «بطليموس».