الأشخاص بشكل مستقل لا يتلاءم مع معنى الأمشاج ، وكذلك ليس من المناسب القول بتركيب النطفة من أنواع المعادن واشباهها ، لأنّ هذا الأمر لا ينحصر في النطفة فقط ، وإنّما تتركب من هذه المواد كل الموجودات العالية نظير الإنسان والنبات وألوان الاطعمة ، اضافة إلى أنّ كلمة النطفة في آيات متعددة من القرآن جاء في خصوص نطفة الرجل.
فمثلاً نقرأ في قوله تعالى : (الَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّنْ مَّنىٍّ يُمْنَى)؟ (القيامة / ٣٧)
لكن مع تطور العلم واتساع نطاق تحقيقات العلماءثبت اليوم أنَّ القطرات القليلة للمني والتي تدعى بـ (النطفة) مركبة من مياه متعددة تفرزها الغدد المختلفة للجسم ، وبشكل رئيسي فهناك خمس غدد تتظافر فيما بينها لكي تصنع المني من ترشحاتها ، وهي عبارة عن : غدتان تقعان في أكياس قريبة من غدة البروستات وتدعى بـ (البيضة).
والاخرى هي غدة البروستات نفسها ، وكذلك غدتا «الكوبر» و «الليترة» اللتان تقعان بالقرب من المجاري البولية هذا ما أثبته العالم الفرنسي الدكتور (بوكاري) (١).
وتختلط هذه المياه الخمسة مع بعضها بنسب دقيقة وموزونة لتشكل مادة الحياة (النطفة).
ويعتقد هذا العالم الفرنسي أنَّ التعبير بـ (الأمشاج) الوارد في القرآن هو إشارة إلى تلك النكتة الدقيقة التي خفيت عن أنظار علماء ذلك العصر.
وممّا يسترعي الانتباه هو قوله تعالى في ذيل الآية السابقة : (فَجَعلْناهُ سَميعاً بَصيراً) ، بمعنى أنّ نعمة السمع قد تقدمت على نعمة البصر ، لاحتمال أن يكون السبب في ذلك كما ذهب إليه العلماء هو أنَّ الحس الأول الذي يبدأ بالعمل لدى الرضيع هو السمع ، فهو يستعد لالتقاط الأصوات في الأيّام الاولى من حياته. بل إنّ له قبل ذلك نشاطاً محدوداً في العالم الجنيني أيضاً.
__________________
(١) مقتبس من كتاب (مقارنة بين التوراة والانجيل والقرآن والعلم) تأليف الدكتور «بوكاري» ترجمة المهندس «ذبيح الله دبير» باللغة الفارسية ـ ص ٢٧١. الملفت للنظر أنّ هذا الدكتور الفرنسي يميل كثيراً إلى القرآن حينما يصمم على مقارنة هذه الكتب فيما بينها ، وحيث إنّ ترجمات القرآن المتداولة لا تشفي غليله ، نراه يستفيد من الادب العربي ويحيط به احاطة تامة ليتمكن من الحصول على مايحتاجه من القرآن مباشرة دون حاجة للرجوع إلى ترجماته.