وهذا بخلاف البصر فانّه يستعد للإبصار بعد ذلك ولعله بعد مرور اسبوعين ، لعدم امتلاك العين المغمضة أي استعداد لرؤية امواج النور في البيئة المظلمة للرحم. ولهذا السبب فإنّ عين الرضيع تبقى مغمضة بعد ولادته مدة من الزمن أيضاً ، حتى تعتاد على الضياء بالتدريج.
من جانب آخر يقول تعالى : (الَمْ نَخْلُقْكُّمْ مِّنْ مَّاءٍ مَّهِينٍ* فَجَعَلْنَاهُ فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ* الَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ* فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ القَادِرُونَ). (المرسلات / ٢٠)
لقد توصل علماء الأجنة اليوم من خلال مطالعاتهم ومشاهداتهم الدقيقة والمصورة عن تحولات الجنين إلى هذه النكتة ، هي أنّ لقاء (الحيامن والبيوض) إنّما يتمّ خارج الرحم وفي الممرات المنتهية إليه. ثم تنعقد النطفة لتشق طريقها نحو قرارها الأصلي وهو الرحم فتلتصق بجداره.
ويتبيّن هذا المعنى بوضوح في الآية الآنفة الذكر أيضاً ، ففي البداية تتحدث عن خلقة الإنسان ، ومن ثم عن استقراره في قرار الرحم (وينبغي الالتفات إلى أنَ «ثمَّ» تُستعمل في لغة العرب عادة للترتيب بشيء من الفاصلة) ، وعليه فإنّ الأمر الذي غاب عن أنظار جميع العلماء في ذلك العصر وما بعده قد جاء في القرآن بشكل واضح.
والتعبير بـ «القرار المكين» هو الآخر تعبير غني جدّاً في معناه والذي كان مجهولاً في ذلك الزمان قطعاً.
ونعلم في وقتنا الحاضر أنّ هناك خصائص مهمّة أخذت بنظر الاعتبار في خلق الرحم بحيث أصبح من آمن الأماكن للجنين.
وبغض النظر عن الأغشية الثلاثة التي تحيط بالجنين من كل جوانبه (غلاف بطن الام ، جدار الرحم ، الكيس الخاص لاستقرار الجنين). فإنّ كل جنين يسبح في كيس يحتوي على ماء لزج ، ويستقر هناك تقريباً في حالة من انعدام الوزن وعدم الاتكاء على شيء معين ، وهو يتحمل كثيراً من الصدمات التي ترد على انحاء جسد الأم ، ذلك أنّ الصدمات في الواقع تصيب (كيس الماء) لا الجنين نفسه مباشرةً ، وبعبارة اخرى يمكن أن نسمي ذلك