يتكرر هذا الأمر عدّة مرات حتى يصبح حجم البَرَد كبيراً ، ولا تقوى التيارات الهوائية على دفعه إلى الأعلى أو أن تهدأ تلك التيارات بصورة مؤقتة ، فحينئذٍ يشق طريقه إلى الأرض ويسقط باتجاهها بدون أي مانع ، ويحدث أن يكون كبيراً ثقيلاً في بعض الأحيان فيلحق اضراراً بالمزارع والبساتين والحيوانات وحتى أفراد البشر أيضاً.
من هنا يتبيّن أنّ وجود بَرَد كبير الحجم ثقيل الوزن ممكن عندما تتراكم الحبيبات المنجمدة فوق قمم السحب الجبلية إلى أن تظهر رياح شديدة فتقذفها وسط السحب ، وتجمع مقداراً أكثر من الماء ، فتصبح ثقيلة الوزن.
وعلى هذا الأساس تعتبر السحب الجبلية منبعاً مهماً لتكوّن بَردٍ كبيرٍ الحجم ، سبقت الإشارة إليه في الآية.
وتتضح المسألة أكثر فيما لو قلنا : إنّ هذه الجبال هي الأكوام المتكونة من الذرات الثلجية نفسها (١).
والسؤال الوحيد الذي يبقى هنا هو : لماذا وجه القرآن الكريم الخطاب إلى النبي صلىاللهعليهوآله بقوله : (الَم تَرَ) في حين أنّنا نعلم أنّ هذه المسألة لا تقبل الرؤية على الاطلاق ، وإنّما تمكن ملاحظاتها في عصرنا فقط من خلال التحليق بالطائرة؟
والجواب عن هذا السؤال واضح ، ذلك أنّ (الَم تَرَ) والجمل المشابهة لها يراد منها (الَم تَعْلم) ، ولهذا يقول القرآن مخاطباً النبي في سورة الفيل الآية ١ : (الَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِاصْحَابِ الفِيلِ) ، بالرغم من ولادته صلىاللهعليهوآله في عام الفيل (العام الذي هاجم فيه أبرهة مكة المكرمة) وعدم حضوره تلك الواقعة.
* * *
__________________
(١) ذهب المفسرون في تفسير : (وينزل من السماء من جبال فيها من بَرَد) إلى قولين يمكن استنتاجهما من سياق تركيب الآية ؛ الأول : إنّ الجار والمجرور في «من برد» متعلق بينزل وهي في حكم المفعول فيصبح معنى الآية : إنّ الله ينزل قطع الجليد من جبال في السماء (وهنا ذكرت الجبال بصورة مطلقة). والثاني : إنّ الجار والمجرور متعلق بفعل محذوف يقع صفة ل «جبال» فيصبح معنى الآية بناء على ذلك : إنّ الله ينزل بَرداً من جبال الثلج التي في الس ماء (وهنا يكون مفعول «ينزل» محذوفا ويفهم من سياق الكلام). وكلا التفسيرين يوضح الاعجاز العلمي للقرآن وفقا لما ذكرناه سالفاً. لأنّ قولاً تضمن ذكر جبال من الثلج ، وقولاً اخر تضمن جبال السحاب ، وكلاهما لم يكن معروفا في زمانه.