من خير ثقيف ... واغروا به سفاءهم فاجتمعوا إليه وألجأوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة ... ورَجعَ السفهاءُ عنه وجلس إلى ظلّ حبلة من عنب ... وقال : اللهم إليك اشكو ضعف قوتي وقلةَ حيلتي وهواني على الناس ، اللهم ياأرحم الراحمين أنت ربُّ المستضعفين وأنت ربي إلى مَن تكلني إلى بعيد يتجهمني أو إلى عَدُوٍ ملكتَه أمري إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أُبالي ولكن عافيتك هي أوسع ، إنّي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلماتُ وصلح عليه أمرُ الدنيا والآخرة من أن تنزلَ بي غضبك أو تحل بي سخطك» (١).
فلما رأى ابنا ربيعة ما لحقه صلىاللهعليهوآله تحركت له رحمهما فدعوا غلاماً لهما نصرانياً اسمه «عداس» فقالا له : خذ هذا العنب إلى ذلك الرجل ، ففعل فلما وضعه بين يدى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وضع يده عليه وقال «بسم الله» وثمّ أكل ، فقال عداس : والله إنّ هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة.
فقال له النبي صلىاللهعليهوآله من أي بلاد أنت وما دينك؟
قال : أنا نصراني من أهل نينوى
فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متي؟ قال له : وما يُدريك ما يونس؟
قال الرسول صلىاللهعليهوآله : ذلك أخي كان نبيّاً وأنا نبي.
فأكب عداس على يدي رسول الله ورجليه يقبلهما ، وأسلم (٢).
فلم يرجع رسول الله صلىاللهعليهوآله خائباً من سفره هذا.
بداية جديدة في ابلاغ الرسالة :
رغم هذه المشاكل الجمة لم يَنْثَنِ الرسول صلىاللهعليهوآله عن ابلاغ رسالته ، فاتصل في موسم الحج بالقبائل مُبتدئاً بقبيلة (كندة) حتى قبيلة (كلب) و (بني حنيفة) وكل من جاء لزيارة بيت الله كان يدعوهم إلى الإسلام ، وأبو لهب يلاحقه في كل مكان ليُكذبه ويتهمهُ بخلق الأقاويل (٣).
__________________
(١) الكامل ، ج ١ ، ص ٥٠٨ ؛ وتفسير جامع البيان ، ج ٢ ، ص ٨١.
(٢) الكامل ، ص ٥٠٨ ، وابن هشام ، ج ٢ ، ص ٦١ و ٦٢ ، وتفسير جامع البيان ، ج ٢ ، ص ٨١.
(٣) الكامل ، ص ٥٠٩ ؛ وابن هشام ، ج ٢ ، ص ٦٣ ؛ وتفسير جامع البيان ، ج ٢ ، ص ٨٣ و ٨٤.