خصوصاً إذا أُخذ بنظر الاعتبار عدم وجود أدنى أثر لهذه العلوم في ذلك العصر وفي بيئة الجزيرة العربية.
* * *
١٥ ـ القرآن وكشف هوية الإنسان
نقرأ في قوله عزّ من قائل : (ايَحْسَبُ الانسَانُ الَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ* بَلَى قَادِرِينَ عَلَى انْ نُّسَوِّىَ بَنَانَهُ). (القيامة / ٣ ـ ٤)
جاء في الروايات ، أنّ أحد مشركي العرب ويُدعى (عدي بن ربيعة) وكان رجلاً معانداً ومتعصباً جدّاً ، أتى إلى النبي صلىاللهعليهوآله وسأله عن يوم القيامة وكيفية وزمان تحققه ، وقال : إنني لا اصدقك ولا أؤمن بك وإن رأيت ذلك اليوم بأمُ عيني ، كيف يمكن التصديق بأنّ الله تعالى يجمع هذه العظام النخرة ، هذا ممّا لا يقبل التصديق فنزلت الآية المذكورة أعلاه (١).
«بَنان» : في اللغة بمعنى الاصابع ، وقد ورد أحياناً (بمعنى رؤوس الأصابع) ، وهو مأخوذ من مادة (بَنَ) بمعنى الإقامة.
وبناءً على كون الأصابع ، أداة لإصلاح أحوال إقامة الإنسان في العالم ، اطلق عليها هذا الاسم (٢).
إنّ للأصابع دوراً مهماً جدّاً في حياة الإنسان ، وتعد من عجائب الخلقة ، وإن غفلنا عن أسرارها. لأنّها تحت تصرفنا دائماً ، ولو قطعت أصابع يد أحد ما ، فإنّه سوف لا يستطيع أن ينجز عملاً دقيقاً بأي شكل من الأشكال ، وستستحيل عليه الكتابة ، وتصفح أوراق الكتاب ، وتناول الطعام بسهولة ، والاتصال بالهاتف ، وفتح الأبواب بالمفاتيح وأنواع الصناعات الدقيقة وتستحيل عليه بقية الصناعات الاخرى كانواع الأعمال المتعلقة بالسيارات ، وحتى أخذ الأشياء الثقيلة باليد أيضاً ، بل ويمكن لنقص أحد الأصابع أن يوجه
__________________
(١) التفسير الكبير ، ج ٣ ، ص ٢١٧ ؛ وتفسير القرطبي ، ج ١٠ ، ص ٦٨٨٥.
(٢) المفردات للراغب ؛ ومجمع البحرين ؛ ومعجم مقاييس اللغة ، مادة (بن).