فقال لهم يسوع : «أما جاء في شريعتكم أنّ الله قال : أنتم آلهة؟ ماذا كان الذين تكلموا بوحي من الله يدعوهم الله آلهة ، على حد قول الشريعة التي لا ينقضها أحد ، فكيف تقولون لي ، أنا الذي قدّسه الأب وأرسله إلى العالم : أنت تجدف لأنّي قلت : أنا ابن الله؟ إذا كنت لا أعمل أعمال أبي فلا تصدقوني وإذا كنت اعملها فصدقوا هذه الأعمال إن كنتم لا تصدقوني حتى تعرفوا وتؤمنوا أنّ الأب فيّ وأنا في الأب» (١).
يتضح من خلال هذه العبارات عدّة نكات :
١ ـ اتّهم اليهود عيسى من ذي قبل أنّه ادعى الالوهية وأصدروا حكماً بتكفيره ورميه بالحصى.
٢ ـ يقول المسيح تارة في صدد الدفاع عن نفسه : أنا الذي قلت إنّي ابن الله ، وأنّ أبي الله ، وتارة اخرى يقول : أنا أقوم بأعمال إلهيّة ، ولو لم أنجز ذلك فلا تصدقوا كلامي ، ولو انجزت ذلك فصدقوا أني حالٌّ في الله والله حالٌّ في نفسي.
إنّ التعبير بالأب والابن والقيام بأعمال إلهيّة ، والقول بحلول الإنسان في الله والله في الإنسان ، كلها تعبيرات إلحادية ، لا تلتئم مع كافة الموازين المنطقية ، ولا دليل على أن يدلي أحد الأنبياء بمثل هذه العبارات في حق نفسه وحق الله تعالى ، ولو بصورة مجازية ، لأنّ ذلك يؤدي إلى وقوع البسطاء في دوامة الاشتباه والالتباس ، ويساهم في أن يجد الأعداء الذريعة المناسبة لأنّ يرموه بالحصى متى ماشاءوا.
هذا في الوقت الذي يقول القرآن في الآيات التي تلوناها سابقاً بصراحة تامة إنّه لم يصدر من المسيح عليهالسلام أي ادّعاء سوى العبودية لله ودعوى النبوة والرسالة وكان في غاية الخضوع والتذلل في مجال العبودية والتسليم لأمر الله تعالى.
وفي آيات اخرى يقول أيضاً : إنّ كل ما أنجزه من معاجز كان جميعه بإذن الله ، نقرأ في قوله تعالى : (وَاذْ تَخلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيئَةِ الطَّيرِ بِاذْنِى فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيراً بِاذنِى وَتُبرِىُء الاكمَهَ وَالأَبرَصَ بِاذنِى وَاذْ تُخْرِجُ المَوْتَى بِاذْنِى). (المائدة / ١١٠)
__________________
(١) انجيل يوحنا ، باب ، اليهود يرفضون المسيح ، ص ٢٨٩.