فالقانون الصحيح هو الذي يتخذ إجراءات وقائية مناسبة من خلال وضع التعليمات الثقافية والمقررات الصحيحة حتى لا تدعو الحاجة إلى التوسل بمثل هذه الامور.
إنّ الأجهزة القضائية والعقوبات والسجون بمثابة الطب العلاجي ، أو بعبارة أصح ، بمثابة إجراء عملية جراحية للمريض ؛ بينما القوانين السليمة والمقررات الدقيقة بمثابة الطب الوقائي الذي يعتبر أقل مؤونة وأسلم طريقة لخلوه من الطواريء والأخطار.
بعد هذه المقدّمة نعود إلى القرآن مرّة اخرى لندقق في قوانينه ونبحثها.
مزايا القوانين القرآنية :
قبل كل شيء نرى من اللازم أن نذكر هذه النكتة وهي : إنّ جميع هذه القوانين إنّما خرجت في محيط الحجاز ، ذلك المحيط الذي لايعرف للقانون معنى تقريباً ، والأمر الوحيد الذي حكم بشكل قانوني في اوساط قبائله هي العادات والتقاليد المحدودة والممتزجة بالخرافات ، لذا فإنّ ظهور القوانين الإسلامية في مثل هذا المحيط يعدّ بحق ظاهرة عجيبة لا يمكن تبريرها وتصورها تصوراً طبيعيا وعادياً ، ومن هنا فلابدّ أن نتعرف على خصائص القوانين الإلهيّة ، وليس لنا سوى القبول والتسليم بأنّ ذلك كله صادر من الله تعالى.
أولاً : الشمولية والسعة
بالرغم من أنّ القرآن نزل في محيط مغلق من جهات مختلفة ، ومحدود في ارتباطه مع عالم ما وراء شبه الجزيرة العربية ، وكان الطابع الذي يسود ارجاءه هو طابع القومية والعنصرية والحياة القبلية ، فكان من الطبيعي حتماً أن يصطبغ مثل هذا المحيط بصبغة القومية العربية ، بل بصبغة التعصب القبلي ممّا يلفت النظر إلى أنّ القوانين لم تصطبغ بهذه الصبغة بأي شكل من الأشكال حتى أنّه لم يرد الخطاب بـ (يا أيّها العرب) ولا مرّة واحدة في القرآن ، بل إنّ الخطاب كان موجهاً إلى عامة الناس في كل المواضيع والخطابات حيث