من جهة ثانية يخبر أنّ أعداءه سيكونون «مبتورين» ، وبلا عقب ، وتحققت هذه النبوءة أيضاً ، ووصلت حالة التشرذم والتشتت بأعداء الرسول بحيث لم يبق لهم أثر في هذا اليوم.
إنّ «أبو سفيان» وأبناءه وعشيرة بني امية الذين كانوا من الأعداء الشرسين للإسلام قد وقف بعضهم بوجه النبي والبعض الآخر بوجه أبنائه ، كانوا في يوم من الأيّام جمعاً غفيراً ، بحيث تجاوز عدد ذويهم وأبنائهم وأرحامهم عن حد الاحصاء ، لكن لم يبق لهم شيء يذكر في يومنا هذا فكل شيء عنهم انطوى في صفحة النسيان.
يقول الآلوسي في روح المعاني : «الأبتر ، هو الذي لا عقب له ، حيث لا يبقى منه نسل ولا حسن ذكر ، وأما أنت فتبقى ذريتك وحسن صيتك وآثار فضلك إلى يوم القيامة» (١).
إنّ هذه السورة وإن دلّ شأن نزولها وفقاً للرواية المشهورة على أنّ القائل لهذا الكلام هو «العاص بن وائل» الذي كان من الأعداء الألداء للنبي صلىاللهعليهوآله إلّاأنّه من البديهي أنّ هذه السورة ليست ناظرة إلى الشخص فقط ، بل إنّ كلمة «شانىء» المأخوذة من مادة «شنآن» التي هي بمعنى البغض والعداوة ، لها مفهوم واسع وشامل لكل الأعداء ، وهذا التنبؤ صادق في حقهم جميعاً ، لأنّه لم يبق لهم ذكر يؤثر ، ولا أبناء معروفون ولم يكن التكهن بهذا المعنى ممكنا في ذلك اليوم الذي كان النبي صلىاللهعليهوآله يعيش في مكة ، والمسلمون في منتهى القلة.
* * *
٩ و ١٠ ـ أولئك لن يضروكم بشيء
في الآيتين التاسعة والعاشرة من هذا البحث نلاحظ تنبؤات مهمّة :
١ ـ «إنّ أهل الكتاب لن يتمكنوا أن يلحقوا بكم ضررا ذا بال ويهددوا وجود الإسلام والمسلمين بالخطر لأنّ اضرارهم طفيفة وغير مؤثرة» (لَنْ يَضرُّوكُم الَّا اذىً).
إنّ كلمة «أذىً» وان شملت على حد قول «الراغب» في «المفردات» كل مايلحق الضرر بروح الإنسان وجسمه ومتعلقاته لكنه نظرا إلى أنّها وردت بصيغة الاستثناء من جملة «لن
__________________
(١) تفسير روح المعاني ، ج ٣٠ ، ص ٢٤٧.