ويتضح ذلك من مطالعتنا للمثل المعروف : (إنّ المزور يُعرف من زائريه) ، وعلة ذلك واضحة لأنّ أهل الدنيا ومنتهزي الفرص يتجهون دائماً إلى أولئك المهيئين للتساوم معهم ، يعطونهم امتيازات ويأخذون منهم اخرى ، ليصلوا إلى مقاصدهم غير المشروعة.
وهذه المسألة خاصة تظهر أكثر وضوحا حول المقربين والخواص وحافظي أسرار ذلك الشخص ، فاذا رأينا اخلاص خواص تلك المدرسة ، وحملة أسرارها ، وممن تثق بهم ، أدركنا بالنهاية نزاهة وإيمان وصدق قائدها ، وبالعكس ، فاذا التفَّ حوله أفراد كذابون ، نفعيون فسوف نفهم بأنّ الماء ينبع من منبع آسن.
والآن لنلقي نظرة على الخلّص وحملة الأسرار والتلاميذ الأصليين لمدرسة نبيّ الإسلام صلىاللهعليهوآله ... أفراداً مثل (علي بن أبي طالب) ، وفي مراحل لاحقة أفراداً مثل (سلمان) و (أبو ذر) و (المقداد) و (عمار بن ياسر) و (صهيب) و (بلال) وأضرابهم ، فنرى كل واحد منهم كان نموذجا للتقوى والفضيلة والإيمان والمعرفة والزهد.
ونموذج آخر من هؤلاء الأفراد هم (أصحاب الصفة) المهاجرون الأبرار الذين هجروا كل ما يملكون في مكة ، والتحقوا بصفوف أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله وكانوا يعيشون في أسوأ الأوضاع الاقتصادية.
أو مجموعة السبعين شخصاً الذين توجهوا إلى منطقة (نجد) لنشر الإسلام ، ثم تجرعوا كأس الشهادة كلهم في هذا السبيل ، وكانوا يقضون الليل بالعبادة ، والنهار بجمع الحطب ليضعوا ما تجود به أيديهم باختيار أصحاب الصفة أولئك (١).
وكان من بين خلص أصحابه أفرادٌ يعيشون في مستويات دنيا من حيث الموقع الاجتماعي ، والجوانب المادية والظاهرية ، ولكن النبي صلىاللهعليهوآله كان يكرمهم لمميزاتهم المعنوية ويقدمهم على الآخرين ، إلى ذلك الحد الذي سبب اعتراض مخالفيه الشديد وجاءه عدد من أعيانهم وكان عنده أفرادٌ من أمثال سلمان ، وصهيب ، وأبي ذر ، وعمار ، وخباب ،
__________________
(١) منتهى الآمال ـ وقائع السنة الهجرية الرابعة ـ وجاء نفس المعنى مع بعض الاختلاف في تاريخ الكامل لابن الاثير ، ج ٢ ، ص ١٧١.